يحتفي العالم ب"اليوم العالمي للإذاعة"، تقديرًا لدورها وسماتها الفريدة، بوصفها أهم تقنية لبث الأخبار والمحتوى الترفيهي، ومنصة تجمع حولها أفراد المجتمع، إضافة لدورها في تعزيز الحوار والتفاهم بين الشعوب، ونقل المعرفة والثقافة.. فقد اختارت المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) تاريخ 13 فبراير من كل عام يوماً عالمياً للاحتفال بالإذاعة، ويتزامن ذلك مع بث أول إذاعة للأمم المتحدة عام 1946. وتعود فكرة الاحتفال باليوم العالمي للإذاعة إلى الأكاديمية الإسبانية للإذاعة، حيث قدم الوفد الدائم لإسبانيا لدى اليونسكو المقترح رسميا في الدورة 187 للمجلس التنفيذي في سبتمبر 2011. * أثير سعودي ويُعد هذا اليوم اعترافاً بفضلها، وبسحر أثيرها، فمعها كان الصوت عبر يحلًق في الآفاق، فتنتشي الأخيلة ويُثرى الحدس، فعايشت أفراح الأوطان والشعوب، وعبرت عن أمانيهم وتطلعاتهم، وأثلجت الأفئدة بعبق أثيرها القرآني المتبتل. في تلك المناسبة يمر اليوم 76 عامًا على انطلاق أول محطة إذاعية سعودية في مدينة جدة، يوم 9 ذو الحجة 1368ه الموافق1 أكتوبر 1949م، عندما أُذيعت أول كلمة على الهواء من قبل الأمير فيصل بن عبد العزيز - رحمه الله- لتتوالى بعدها خطوات نجاح الإذاعة السعودية، في تعزيز الرسالة الوطنية، وتحقيق تواصل أوسع بين المواطن والوطن.. فكان البداية يوم الحج الأعظم. ورغم انطلاقها في فترةٍ كانت فيها وسائل الإعلام محدودة، إلا أن الإذاعة السعودية سرعان ما أصبحت منارة ثقافية وتوجيهية لشعب المملكة، ومازالت منذ ذلك الحين تلعب دورًا محوريًا في نقل الأحداث المحلية والدولية، وفي تشكيل الوعي المجتمعي بشكل متميز. * الصوت الساحر .. وعالم الأوائل الرواد كان البطل فيها – ومازال- الصوت والإحساس، فمن خلالهما يتم تشكيل الوجدان، ويسرح الخيال، لذا كان الرعيل الأول من أصوات الإذاعيين خالداً في الذاكرة السمعية والخيالية، منهم الأستاذة نجدية الحجيلان، إضافة إلى أول مدير للإذاعة الأستاذ إبراهيم الشورى، الذي تولّى الإشراف على الإذاعة عند تأسيسها بجدة عام 1949 م ، وكان أول مذيع الأستاذ طاهر زمخشري، وأول مَن أشرف على نقل إذاعي لصلاة الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، وكذلك أول من نقل مناسك الحج ، عام 1951م، وكانت أول مذيعة الأستاذة أسماء زعزوع، وأول صوت نسائي ينطلق عبر أثير الإذاعة، وأول مذيعة يظهر صوتها بالإذاعة السعودية الأستاذة فاتنة شاكر التي قدّمت أول برنامج نسائي "البيت السعيد"، بإذاعة جدة ، عام 1963م، وكانت أول مذيعة بإذاعة الرياض الأستاذة نوال بخش، وأول مذيعة رسمية بالإذاعة الأستاذة دلال ضياء.. وتعد أول مذيعة رسمية في الإعلام السعودي، وأول مذيعة رسمية بالتلفزيون الأستاذة سلوى شاكر، التي بدأت مشوارها الإعلامي عام 1965 م. وكذلك أول مدير لإذاعة الرياض الأستاذ خميس سويدان، وأول مذيع يظهر صوته بإذاعة الرياض الأستاذ محمد الشعلان، الذي كان أول من أطلق شارة بدء الإرسال عند افتتاح الإذاعة ، عام 1964م، وأول معلّق قام بالتعليق على مباراة في مسابقة رسمية الأستاذ زاهد قدسي .. قام بتعليق إذاعي على نهائي كأس الملك بين أهلي جدة وأهلي الرياض، عام 1962م.. والقائمة تطول.. فكانت أول مذيعة تقرأ نشرة أخبار بالإذاعة الأستاذة نجوى مؤمنة، التي قرأت نشرة أخبار بإذاعة جدة ، عام 2006 م، وكذلك أول مذيعة تقرأ نشرة أخبار بإذاعة الرياض الأستاذة مريم الغامدي، وأول مذيعة تقرأ نشرة أخبار بالتلفزيون الإعلامية بثينة النصر، التي قرأت النشرة عبر قناة الإخبارية عام 2004 م.. هؤلاء الرواد الذين أثروا الأثير بأصواتهم وإحساسهم، فحفروا داخل القلوب عشقاً لمسيرتهم وإذاعتهم. * البداية من القرار والميثاق وفي إطار مسيرتها التي بدأت بتوجيهات الملك عبد العزيز – طيب الله ثراه - الذي أصدر مرسومًا ملكيًا يوم الثلاثاء 23 رمضان 1368ه الموافق 19 يوليو 1949م، وضع فيه الإطار العام للإذاعة، مع التأكيد على ضرورة التزامها بالصدق والأمانة والموضوعية، وعدم التعدي على أحد أو مدح غير مستحق، بدأ البث الإذاعي في المملكة في مدينة جدة، ليكون حجر الأساس لمشروع إعلامي طموح. ومع مرور الوقت، بدأت الإذاعة السعودية توسع نطاقها وتطور خدماتها، حيث بدأ بث إذاعة الرياض يوم الأحد غرة رمضان عام 1384ه الموافق 3 يناير 1965م، لتكون خطوة كبيرة نحو توزيع المواد الإعلامية على نطاق أوسع، وفي عام 1965م، تم إطلاق البرنامج العام من إذاعة الرياض، والبرنامج الثاني من إذاعة جدة، ما جعل الإذاعة السعودية أكثر تنوعًا وثراءً في تقديم محتوياتها المختلفة للمجتمع، كما كانت الإذاعة السعودية تهدف إلى نشر الوعي الثقافي والترفيهي، وتعزيز قيم الدين الإسلامي، إذ كانت تُنتج وتبث برامج تعليمية ودينية للمواطنين داخل وخارج المملكة، إضافة إلى تغطية الأحداث والمناسبات المحلية والعالمية، وفي الوقت نفسه، لم تغفل الإذاعة عن الاهتمام بالبرامج الموجهة لشرائح خاصة في المجتمع، بما في ذلك الأطفال والنساء وكبار السن. * التطور البرامجي ومع تطور وسائل البث والإعلام، أطلقت الإذاعة السعودية العديد من الإذاعات المتخصصة مثل "نداء الإسلام"، وإذاعة القرآن الكريم، والبرنامج الأوروبي والبرامج الموجهة، وتُعد هذه القنوات إضافة كبيرة إلى خارطة الإعلام السعودي، حيث كانت تركز على تقديم محتوى متنوع، من بينها برامج تُبسط اللغة العربية، وتُعرّف بالمفاهيم العلمية، وتُسهم في تعزيز الوحدة الوطنية، وترسيخ القيم الإنسانية والاسلامية في مجتمع المملكة، كما ظلت على مر السنين واحة للثقافة والأدب، ونقل صادق للأحداث المحلية والعالمية، وتوسيع نطاقها ليشمل جميع شرائح المجتمع، ستظل الإذاعة السعودية، رمزًا لارتقاء الإعلام الوطني. * الفكرة والتنفيذ نسبت فكرة نشأة الإذاعة إلى الملك سعود بن عبد العزيز -رحمه الله- حين كان وليًّا للعهد، إذ عرض الفكرة على والده الملك عبد العزيز، فوافق على الفكرة، وكلف وزير المالية حينها عبد الله السليمان ليقوم بتنفيذها بإشراف الأمير فيصل بن عبد العزيز، نائب الملك في الحجاز. أنشئت أول محطة إذاعية سعودية في مدينة جدة، إذ بدأ إرسالها يوم التاسع من شهر ذي الحجة 1368ه الموافق الأول من أكتوبر 1949، وهو يوم الوقوف بعرفة، وشهدت كلمة للملك عبد العزيز، ألقاها بالإنابة عنه الأمير فيصل بن عبد العزيز تضمنت تهنئة الحجيج بأداء مناسك الحج، والترحيب بقدومهم إلى الأراضي المقدسة. وقد وثقت دارة الملك عبد العزيز افتتاح الإذاعة في ذلك الحين، بآيات من القرآن الكريم بصوت الشيخ طه الفشني، وكلمة للمشرف عليها عبد الرحمن نصر، وهو من مصر استعانت به المملكة لهذا الغرض، فيما اقتصر البث الإذاعي في المملكة ابتداء على إذاعة جدة، حتى بدأ البث الإذاعي من إذاعة الرياض يوم الأحد غرة رمضان عام 1384ه الموافق 3 يناير 1965، كما بدأ بث البرنامج العام مستقلًّا من إذاعة الرياض والبرنامج الثاني من إذاعة جدة يوم الخميس غرة شوال 1384ه الموافق 23 أغسطس 1965. ورغم التغيير والتحديث في المنظومة الإعلامية العالمية والسعودية، ستبقى الإذاعة السعودية جهازًا ثقافيًّا رائدًا يُسهم في تحقيق رؤية المملكة 2030، وتجسيد الطموحات، والمحافظة على مكتسبات الوطن وتطلعات أبنائه.