تثار قضية قصائد النثر أو الشعر الحر من وقت لآخر، بصفتها إحدى نتائج حركة الحداثة الشعرية، وبعد عدة عقود من الصراع بين الشعر التقليدي والشعر الحر كان المفروض أن يكون الأمر قد استقر عند حدود نظرة متجردة من أهواء الانتماء والتعصب، نظرة موضوعية متوازنة وعاقلة تؤسس مفهوماً يؤمن بأن المحك الأساسي في الحكم على الشعر وتقويمه هو الشعر نفسه، ما دام يلتزم بقوانين نوعيته سواء محافظاً على شكل الموروث أو نزع إلى التجديد في شكله. وكما يقول أحمد عبد المعطي حجازي في كتابه (قصيدة النثر أو القصيدة الخرساء): «أنا لست ضد النثر ولا أرفض أن تستفيد منه القصيدة، بل أنا أعتقد أن الشعر بطبيعته لابد أن يتضمن عناصر نثرية لأنه يتشكل من اللغة، وهي أداة اتصال من ناحية، ومادة للخلق الفني من ناحية أخرى». ويقول الكاتب الجزائري فوزي عجوط: لم تثر قضية أدبية في عصرنا ما أثارته قضية الشعر الجديد من اهتمام، فقد حاول بعض الشعراء على القالب التقليدي وعلى قيود الشعر العربي القديم، التي قد تعيق الشاعر عن الاسترسال في عواطفه وأخيلته وأفكاره، فضحّوا بهذا النسق في سبيل المضمون كما أن هناك شعراء آخرون خرجوا عن قيود القالب التقليدي، لكن لم يهتموا بالمضمون، وهذا الأخير كان من أهم الدواعي في إثارة معركة حامية بين الأدباء والنقاد. وأضاف إلى أن هناك من بحث في هذا التجديد، ومدى ملاءمته لطبيعة الفن الشعري، بحيث اقترح بعضهم حلولاً مقبولة للتخلص من هذه المشكلة التي يعاني منها الشعر الجديد، بسبب قيود الأوزان الشعرية التقليدية، ونظام القافية في الشعر القديم، وقد نتج عن الشرح والتعليل والدفاع والهجوم، ظهور طاقات عظيمة من النقاد المعاصرين التي خرجت بالشعر إلى ثورة نقدية، موزعة بين تيارات ثلاثة: * التيار الأول: يتمثل في الإصرار على المحافظة على القواعد الشعرية التقليدية والالتزام بموسيقى الوزن والقافية. * التيار الثاني: ينادي فيه أصحابه بالمحافظة على الوزن ووحدته في القصيدة وموسيقى الشعر. * التيار الثالث: وهو يمثل أصحاب الشعر الجديد والذي ينفر ويرفض الالتزام بالقواعد الشعرية والعروضية والموسيقية التي تقيد الشاعر. وأشار إلى أن موضوع التجديد كان حقلاً خصبة للمعارك النقدية بحيث تضاربت الآراء ما بين النقاد، بين المؤيد والمعارض والمحايد، فالناقد طه حسين يقول في موضوع التجديد: «إنما الجديد بالبحث في الشعر هو البحث عن توفّر الأسس التي يجب أن تُراعى في الفن الشعري والخصائص التي ينبغي أن تتحقق فيه، ولا يمكن أن نعدّ هذه التجربة شعراً، إلا إذا قام على تلك الأسس». فهو يرى أن التجديد دعوة غير منكرة، ولا هي بجديدة، بل سبق إليها شعراء من العرب، وغير العرب إلا أنه يرى أن البحث والاهتمام يجب أن ينصبّا على الأسس التي تراعي الفن الشعري الجديد، فالشعر الحقيقي عند طه حسين، هو الذي يستميل النفوس والأذواق بما أنشأه فيه من الخيال، ومن الصور إذ يجب أن يجلب أذهان الجماهير والقراء باستعمال الألفاظ الجميلة. أما عباس العقاد فموقفه من التجديد كان معتدلاً بحيث رفض كل تجديد من شأنه الإخلال بالإطار القديم للشعر العربي. واختتم عجوط قائلاً: لقد اهتم النقاد بقضايا الشعر المعاصر إلا أنهم أهملوا ظاهرة الأخطاء اللغوية والنحوية التي يقع فيها الأدباء المعاصرون بحيث ترى الناقدة نازك الملائكة أن عدم اهتمام الشاعر أو الناقد بالجانب اللغوي من النقد ليست إلا صورة من عدم الاهتمام من الشاعر نفسه باللغة وقواعدها، فهي تقول: «إن الجذور الرئيسة لهذه الظاهرة تختبئ في شبه عقيدة موهومة، وقع فيها الجيل العربي المعاصر، مؤداها أن عدم الاهتمام باللغة والحرص على القواعد يدلان على وجود فكري في الأديب وقد تشير إلى نقص ثقافته الحديثة». وهذه الظاهرة أصبحت في نظر شعراء التجديد ذاته، فهي تقر على وظيفة الناقد العربي، وهي حماية اللغة من الأخطار لذلك نجدها تدعو النقاد أن يتصدوا للمدارس التي تريد أن تهدم اللغة وقواعدها، ولهذا يجب على الناقد أن يستعمل لغة واضحة، لكي يوصل فكرته وطرحه النقدي. عباس محمود العقاد طه حسين