سئل الذكاء الاصطناعي -شات جي بي تي، وديب سيك- عن مصير الدولار، فكان جوابه: إن استبدال هذه العملة بغيرها أمر ليس واردا قبل 50 عاماً، بالفعل فلا أحد يرغب استبدال الدولار، طالما أن استخدامه يوفر على كافة المتعاملين معه في العالم السهولة والأمان. وعلى ما يبدو فإن طرح السؤال على هذا النحو، قد جاء نتيجة ما يشاع عن رغبة الصينوروسيا وتجمع بريكس في استبدال الدولار، ولكن رئيس الوزراء الهندي مودي صرح في قازان عاصمة تترستان، خلال قمة بريكس العام الماضي أن هذا التجمع ليس تكتلا ضد الغرب، كما أن وزير الخارجية الهندي أكد أن دول «بريكس» ليست لديها مصلحة في إضعاف الدولار الأميركي. إذاً، فلماذا تثار مثل هذه الأسئلة؟ إنها المرحلة الانتقالية التي يمر بها النظام العالمي، بشقيه السياسي والاقتصادي. فهذا النظام يعكس في طياته مكونين: المكون الأول، وهو المهيمن، يحمل سمات النظام الذي لا يزال موجوداً، أما المكون الثاني، والذي لا يزال ضعيفاً، ففيه بعض سمات النظام، الذي هو في طريقه للولادة. وعلى هذا الأساس، هناك تصادم، أو بالأصح تناقض بين مكونات النظام المهيمن، وبين مكونات النظام الذي قد يأتي في المستقبل، وردود فعل النظام العالمي المسيطر ضد المكونات التي يخشى أن تكون بديلة له، هي في الأساس مكونات اقتصادية عند الصين التي يتفوق حجم تجارتها الخارجية على أي بلد آخر، ومكونات عسكرية لدى روسيا،التي تملك أسلحة نووية أكثر من غيرها. وردود الفعل على هذه المكونات تأخذ، مثل ما نرى، أشكالا مختلفة، أهمها العقوبات، حيث تم فرض أكثر من 1000 عقوبة على روسيا، وكذلك الحروب التجارية، وهو ما نراه ضد كندا وربما الاتحاد الأوروبي والصين، ولكن مع الاختلاف: الأول -أي كندا وأوروبا- باعتباره طرفا، أو حليفا، ولكنه لم يستوعب بعد الدور المطلوب منه تنفيذه لركوب موجة التطور الذي وصلته الدورة الجديدة، أو المرحلة الانتقالية، للنظام العالمي، وبالتالي فإن العقوبات ضده تأديبية، وهي على عكس العقوبات ضد الصين، التي سوف تصبح طرف المواجهة الرئيس من أجل إخراجها من السباق. إن الدورة الجديدة لتطور النظام العالمي، تتطلب ليس فقط تعبئة الحلفاء والأطراف من أجل المواجهة، وإنما أيضاً حل التناقضات في الداخل. فتعبئة الجبهة الداخلية هو الأهم، فالإصلاحات في الداخل سوف تطال الكثير من المفاصل، بما فيها الدولة العميقة، التي تجري عليها عملية ترميم كبيرة، ولذلك فإن الضجيج الخارجي، الذي نسمعه، هو في بعض أوجهه بهدف حرف الانتباه عما يجري في الداخل، وهذا يشبه قنبلة الدخان في الحرب التي ترمى أحياناً في عكس الاتجاه الذي يسير فيه الهجوم، لتضليل الخصم وحرف انتباهه، فحتى لا تثار ضجة حول ما يجري في الداخل ترمى قنبلة الدخان باتجاه بنما تارة وغرينلاند وغزة تارة أخرى، حتى يشتغل بها الإعلام.