يشهد مجال الذكاء الاصطناعي تحولات غير مسبوقة مع دخول قوى جديدة إلى الساحة العالمية. فقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن مشروع "ستارجيت"، الذي يهدف إلى تعزيز هيمنة الولاياتالمتحدة عبر استثمارات ضخمة بقيمة 500 مليار دولار، مدعوماً من قبل شركات كبرى مثل "أوبن إيه آي"، "أوراكل"، والبنك الياباني "سوفت بنك"، بالإضافة إلى شركة "إم جي إكس" الإماراتية. في المقابل، فاجأت الصين الأسواق بإطلاق نموذج الذكاء الاصطناعي "ديب سيك"، الذي يتميز بتكلفته المنخفضة واعتماده المحدود على الرقائق، مما أحدث اضطراباً كبيراً في السوق. أدى هذا التطور إلى خسائر ضخمة لشركة "إنفيديا"، التي فقدت 600 مليار دولار من قيمتها السوقية بعد أن أثبت "ديب سيك" قدراته كمنافس جاد لنموذج "أو 3" من "أوبن إيه آي". وبحسب الباحثة إيزابيلا ويلكنسون من معهد "تشاتام هاوس"، فإن عام 2025 يشهد بالفعل تسارعاً في استثمارات الذكاء الاصطناعي، وسط سباق محموم بين الولاياتالمتحدةوالصين. في 19 يناير، أعلنت الصين عن صندوق استثماري لدعم الذكاء الاصطناعي، يُنظر إليه كرد مباشر على القيود الأمريكية المشددة على تصدير الرقائق. وبعد ذلك بأيام، كشف ترامب عن مشروع "ستارجيت"، في خطوة تعكس التداخل المتزايد بين الأمن القومي الأمريكي وقطاع التكنولوجيا، مما يشير إلى تغير جذري في حوكمة التكنولوجيا داخل الولاياتالمتحدة، حيث باتت السلطة مركزة في أيدي الشركات الخاصة. التغيرات في السياسة الأمريكية لم تقتصر على الاستثمارات، إذ ألغى ترامب نهج سلفه جو بايدن فيما يخص تنظيم الذكاء الاصطناعي، حيث أوقف الأمر التنفيذي بشأن الذكاء الاصطناعي الآمن والموثوق، وأصدر قرارات تهدف إلى تقليل القيود على شركات التكنولوجيا الكبرى. وقد أدى ذلك إلى حالة من عدم اليقين بشأن السياسة الأمريكية في هذا المجال. على الصعيد الدولي، يشكل هذا التحول تحدياً للحكومات الأوروبية، التي كانت تنتهج سياسة تنظيمية متشددة تجاه الذكاء الاصطناعي. وبينما تحاول بروكسل فرض قواعد صارمة، تواجه الشركات الأوروبية ضغطاً متزايداً من نظيراتها الأمريكية، المدعومة بتوجه إدارة ترامب نحو تحرير الأسواق. في ظل هذه التغيرات، تبدو المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي أمام فرصة لتعزيز دورهما في حوكمة الذكاء الاصطناعي، خاصة بعد إطلاق "إعلان بليتشلي" عام 2023، الذي جمع الصينوالولاياتالمتحدة على طاولة الحوار حول أمان الذكاء الاصطناعي. ومع احتمال تقليص الولاياتالمتحدة لدورها في قيادة سلامة الذكاء الاصطناعي، قد تجد أوروبا والمملكة المتحدة مساحة للعب دور أكثر تأثيراً في هذا المجال. في النهاية، يكشف نموذج "ديب سيك" عن حقيقة مهمة في سباق الذكاء الاصطناعي، وهي أن النجاح لا يعتمد فقط على الاستثمارات الضخمة، بل أيضاً على الكفاءة والابتكار. وبينما تسعى الولاياتالمتحدة لتعزيز هيمنتها من خلال مشاريع كبرى مثل "ستارجيت"، فإن ظهور منافسين جدد بأساليب أكثر فعالية قد يعيد تشكيل موازين القوى في هذا المجال سريع التطور.