الصدمة الكبيرة والمفاجئة التي أحدثها روبوت الدردشة ونموذج الذكاء الإصطناعي ديب سيك DeepSeek، في الأوساط البحثية والعلمية والتقنية، كانت صدمة مذهلة وكبيرة للغاية، لأنه لم يتوقع المختصون والعاملون في هذا المجال العلمي والبحثي والتقني الدقيق أن يتفوق نموذج ذكاء اصطناعي صيني عمره لم يتجاوز العامين فقط على نماذج ذكاء إصطناعي أخرى سبقته في هذا المجال من الشركات الأمريكية مثل شات جي بي تي وقوقل وميتا وأخذت شهرة واسعة جداً في هذا المجال. هذه الصدمة هزت عرش عمالقة الشركات التقنية في أمريكا والعالم، لأنه ينطوي عليها قرارات سياسية واقتصادية خطيرة من حيث استثمارات الدول والشركات العملاقة في هذا المجال، حيث اضطربت أسواق الأسهم والبورصات العالمية وزاد قلق المستثمرين لعدة أسباب أهمها، انخفاض تكلفة تطوير تطبيق ديب سيك، حيث لم تتجاوز ستة ملايين دولار فقط مقابل الاستثمار والإنفاق العالي والضخم جداً على نماذج الذكاء الاصطناعي الأخرى المماثلة، السبب الثاني تأثيره على شركات التكنولوجيا الكبرى وخصوصاً الأمريكية وتداعياته الاقتصادية الواسعة عليها، ويأتي في مقدمتها عملاق التقنية الأمريكي شركة (إنفيديا) وقد كان تأثير ظهور هذا النموذج عليها واضحاً وجلياً مما أدى إلى تراجع مركزها وقيمتها السوقية وصعود شركتي مايكروسوفت وآبل بدلاً منها، حيث مُنيت بخسائر كبيرة في أسواق الأسهم والبورصات العالمية يوم الاثنين الماضي تقدر بحوالي ست مئة مليار دولار أمريكي من قيمتها السوقية في يوم واحد فقط، ومما زاد وضاعف من خطورة هذا التطبيق على التطبيقات والشركات المنافسة الأخرى سرعة انتشاره، حيث شهد متجر آبل وموقع الشركة ضغطاً كبيراً بسبب طلب المستخدمين والمستفيدين على تحميل التطبيق، ومما زاد الأمر دهشة أن هذه القفزة النوعية التي حققها تطبيق ديب سيك، جاءت وسط عقوبات صارمة ومشددة تفرضها الولاياتالمتحدةالأمريكية على تصدير الدارات والرقائق الأمريكية للصين، مما يعني أن الشركات الصينية أثبتت تفوقها بالامكانيات الفنية القليلة المتاحة لديها. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من جانبه قال إن ما أحدثه تطبيق ديب سيك يعد بمثابة جرس إنذار للتقنية والصناعة في أمريكا، كما يعتبره محفزاً للشركات الأمريكية لكي تتطور وتحدث إستراتيجياتها وخططها في هذا المجال، مطالباً في الوقت نفسه بالتركيز على المنافسة بدلاً من إنفاق المليارات والمليارات، مما يرفع نسبة المخاطر والمخاوف من أن الانفاق المالي الكبير المفرط في إنشاء نماذج ذكاء اصطناعي، قد يؤدي إلى خسائر مالية واقتصادية كبرى في المستقبل. من وجهة نظر فنية، فإنني أعزو سبب تفوق نموذج الذكاء الاصطناعي (ديب سيك) وإظهار قدرة تنافسية عالية جداً على منافسيه إلى عدد من الأسباب أهمها، انخفاض تكلفة إنتاج هذا التطبيق حيث بلغت تكلفة تحليل وتوليد وانتاج 750 ألف كلمة في ديب سيك 0.14 دولار أمريكي فقط، بينما يبلغ تكلفة نفس العدد من الكلمات في شات جي بي تي 7.5 دولارات أمريكية، مما يتضح للجميع الفرق الكبير جداً والشاسع في التكلفة المادية العالية بين النموذجين، وثمة سبب أخر في غاية الأهمية، حيث تفوق نموذج ديب سيك في السرعة والدقة والشمولية وضرب أمثلة حية توضيحية لكل حالة على خلاف منافسيه من النماذج الأخرى، كما أن أحد الأسباب الرئيسة والمهمة لتفوق ديب سيك توظيفه لمتخصصي البيانات والمعلومات الذين لديهم القدرة على التكشيف والتحليل والاستدلال المنطقي للجمل والعبارات حسب ورودها في السياق كاملاً، لأنه عندما يصبح هناك خطأ أو مشكلة بحثية في المحتوى المعلوماتي للنموذج تكون الحاجة ماسة لعالم بيانات ومعلومات وليس لعالم حاسب آلي. السباق المحموم بين الشركات العالمية في بناء نماذج ذكاء اصطناعي جديدة، سوف يؤدي إلى سقوط وانهيار شركات كبيرة جداً ومحوها من الخارطة، كما سوف يؤدي إلى ظهور شركات جديدة غير معروفة مسبقاً، وبالتالي فإن الدول سوف تتاُثر إما سلباً أو إيجاباً بهذه التطورات السريعة والمتلاحقة في عالم الذكاء الاصطناعي المذهل. * أستاذ نظم الحكومة الإلكترونية والمعلوماتية بجامعة الملك سعود