وقف يربط أسفل بطنه بجديل السعف، وقطرات الماء تتساقط من مرفقيه، وفي دورة الشد والجذب برزت أضلاعه الناحلة، يلهج لسانه بالتهليل وهو يهم بالخروج أو ربما الهروب، تستقبله زوجته وهي تُشير إلى صالة الدار كي يأكل مما جاد به الله عليهم هذا اليوم، يُصوب عينيه على تمرة جافة وكأس ماء بجانبه قطعتا إقط مال لون أحد أطرافها إلى الأخضر، لاحت في مقلته دمعة أشاح بها مسرعًا: (معي تخمة أعطيه البنات). رددت مع آخر خطواته وهي تتجه نحو الباب: لا حول ولا قوة إلا بالله. حمل معوله وعصب رأسه واتجه ساعياً بين البيوت سائلاً كل عابر، ومُلحاً على كل زارع، أن يشاركه في أي عمل يمكنه مزاولته حتى وإن كان ذلك العمل تنظيف الزرائب، كلما حاول أن يقفل عائدًا تذكر صوت ابنته وهي تبكي مُشيرةً إلى بطنها الضامرة. أحدهم دفعه لكثرة ما تسمر على بابه، سقط فخدشت ركبته وسقطت عمامته وكشف عن رأسه الحليق الذي تحول لجمجمة لا تشي بحياة من يحملها بين كتفيه. ساور الرجل الندم حين رآه أمامه يمسح دماءه بعمامته ويزيل الحصى الصغيرة التي اخترقت جلده واختلطت بلحمه الممزق. وحتى يمحو شعور الذنب قال له: «إنا لله وإنا له راجعون، قلت ما معي إللّي أعطيك إياه! كلنا جياع! روح لبيت الفقيه يمكن تلقى معه شيء يتحسن به عليك من أهل الخير ما يقصرون». لم يلتفت واكتفى برفع هيكله المتهالك، وسار يجر قدمه بعد أن قُطع شرك حذائه المهترئ من أثر السقطة. توقف به الطريق أمام بيت الفقيه، وبابه الموصد من الخارج، دار حول البيت رجاء أن يجد ما يسد رمقه، حتى أحواش البهائم خاوية على عروشها ولو من حزمة علف. أحكم الجوع والقهر والبكاء قبضتها القاضية عليه، حتى دمعه يتأبى فقد جف جسده. تمهل في خطواته وهو يمزق أشعة الشمس كي ترحل قبل عودته إلى الأفواه الجائعة، نسي نفسه وجوعه وأضلاعه النحيلة وبطنه الذي تحدّب للداخل حتى ظن أن جوعه نال من أعضائه فالتهم بعضها بعضاً. دار سبعة أشواط يُمني نفسه بمعجزة هاجر أو مائدة موسى، كانت السماء قد أظلمت فتيقن أنه لن يجد أعيناً تضيء الظلام بانتظاره وقبل أن يصل وجد جحشاً يُصارع، وهو ينظر إليه بخيبة العدم، تذكر قول الفقيه: (الضرورة تُبيح المحرمات)، استل سكينه وكبّر وشكر.