في الأيام الأولى من عام 2013، كان رجل أميركي يرتدي ملابس ممزقة يتنقل بين المنازل في شوارع حي المزة الراقي في دمشق بحثًا عن مدني يؤويه في مكان آمن بعد أكثر من خمسة أشهر من الأسر في زنازين خرسانية في سجن محلي. وكان الصحافي أوستن تايس قد وقع في الأسر في أثناء رحلة صحفية إلى سورية في أغسطس (آب) 2012. وقال مسؤول أميركي في إدارة بايدن، التي انتهت ولايتها بتنصيب الرئيس الجديد دونالد ترمب ، وثلاثة مسؤولين أميركيين سابقين ومصدر مطلع لرويترز إن تايس تمكن من التسلل من زنزانته. واشترط الجميع عدم الكشف عن هوياتهم للتحدث بحرية عن معلومات استخباراتية أميركية حساسة. وقال المسؤولون إن هروب تايس في عام 2013 كان أول مرة يُرى فيها الصحافي الأميركي في العلن بعد اختفائه. وتقدم هذه الرواية تفاصيل جديدة عن عملية هروبه، التي كانت صحيفة نيويورك تايمز أول من أوردت نبأ عنها في 2021. وتأكدت رويترز من أن تايس هرب في عام 2013 وعلمت بعض تحركاته خلال الفترة من هروبه لإعادة اعتقاله وكيف أن معلومات المخابرات المتعلقة بهذا الأمر ساهمت في إعادة توجيه محادثات الحكومة الأميركية مع نظام المخلوع الأسد. وأصبح تايس الآن محور عملية بحث واسعة النطاق بعد الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد الشهر الماضي بعد 13 عاما من الحرب الأهلية. وأطلقت قوات المعارضة السورية بقيادة جماعة هيئة تحرير الشام منذ ذلك الحين سراح الآلاف من الأشخاص من سجون في دمشق كان الأسد يحتجز فيها معارضين سياسيين ومدنيين وأجانب. ولم يُعثر على أثر للمواطن الأميركي حتى الآن. وقال مسؤول أميركي إنه لا توجد أي دلائل يعول عليها عن مكان وجوده، كما لا يوجد دليل دامغ أيضا على وفاته. ويقول المسؤولون الأميركيون إن هروب تايس من السجن في عام 2013، حيث كان يعتقد أنه محتجز لدى جماعة مسلحة موالية للحكومة، هو الدليل الأقوى الذي تملكه الحكومة الأميركية على أن قوات موالية للأسد كانت تحتجز تايس. وسمح هذا على امتداد سنوات للمسؤولين الأميركيين بالضغط على حكومة الأسد مباشرة في هذه المسألة. ورفض البيت الأبيض التعليق على هذه القصة. ولم ترد بعد وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي.آي.إيه) ومكتب مدير الاستخبارات الوطنية ومكتب التحقيقات الاتحادي (إف.بي.آي) على طلبات التعليق. وحين هرب تايس، شاهده بعض سكان حي المزة وهو يتجول في الشارع. وقال شخص مطلع على عملية الهروب إنه دخل منزل عائلة سورية معروفة، لم يكشف عن اسمها لأسباب أمنية. وقال مسؤول أميركي حالي وآخر سابق إن تايس أعيد القبض عليه بعد هروبه بفترة وجيزة. ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن قوات تابعة مباشرة للأسد على الأرجح أخذت تايس بعد هروبه. وقال أحد الأشخاص المطلعين على عملية الهروب إن تايس ربما جرى نقله جيئة وذهابا بين وكالات مخابرات حكومية مختلفة في السنوات التالية. وقال مسؤول أميركي ومصدر مطلع إن إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما تلقت في عام 2016 معلومة أخرى تفيد بأن تايس نُقل إلى مستشفى في دمشق لتلقي العلاج من مرض ما، فيما قد يكون ثاني ظهور معروف لتايس. لكن المسؤولين الأميركيين الحاليين ليسوا متأكدين من هذا التقرير بقدر تأكدهم من هروبه في عام 2013. وعلى مدى السنوات الماضية، عبرت عائلة تايس التي قادت مساعي العثور عليه عن خيبة أملها في الإدارة الأميركية، قائلة إنها لم تضع إطلاق سراح تايس كأولوية. وتتجمع الأسرة في واشنطن على أمل أن تتمكن قريبا من الاحتفال بحريته. ورفضت العائلة الرد على طلب التعليق. وقال الرئيس الأميركي السابق جو بايدن الشهر الماضي "نعتقد أنه على قيد الحياة. نعتقد أننا نستطيع إعادته، لكن ليس لدينا دليل مباشر على ذلك حتى الآن". وأنعش التصريح التفاؤل بشأن مصير تايس. وعلى مدى السنوات الاثنتي عشرة الماضية، جمعت الوكالات الأميركية، ومنها مكتب التحقيقات الاتحادي ووزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية، آلاف الأدلة عن تايس. لكن يكاد يكون من المستحيل التحقق من أغلبها. مقطع مصور مروع كان تايس يعمل مراسلاً متعاوناً مع صحيفة واشنطن بوست وشركة ماكلاتشي للنشر، وكان من أوائل الصحافيين الأميركيين الذين تمكنوا من الوصول إلى سورية بعد اندلاع الحرب الأهلية. وفي أغسطس (آب) 2012، وقع في الأسر خلال سفره عبر داريا بريف دمشق. وبعد أسابيع، نُشر مقطع مصور على موقع يوتيوب ظهر فيه تايس معصوب العينين ويداه مقيدتان خلف ظهره. واقتاده رجال مسلحون يرتدون ملابس أفغانية الطراز فيما يبدو إلى أعلى تلة وهم يهتفون "الله أكبر" في محاولة فيما يبدو لإلصاق مسؤولية القبض عليه بمقاتلين إسلاميين، لكن المقطع المصور لم يحظ بالاهتمام إلا حين نُشر على صفحة فيسبوك مرتبطة بأنصار الأسد. وتباينت روايات ما حدث لتايس في عام 2012، منها ما يتعلق بمن اعتقله في البداية وإلى أين تم نقله. كما وقع صحفيون آخرون في الأسر خلال الوقت نفسه تقريبا. لكن مع مرور الوقت وإطلاق سراح الصحافيين الآخرين، ظلت التفاصيل المتعلقة بتايس شحيحة. وقال اثنان من المسؤولين السابقين إن إدارة أوباما حصلت على معلومات مخابرات تفيد بأنه وقع إما في أيدي فصيل متطرف من المعارضة أو في قبضة الحكومة السورية. لكن لم يتوافر لديها وسائل للتحقق من هذه المعلومات. وعلى امتداد العقد الماضي، فقد بعض المسؤولين الأميركيين والمدافعين عن الصحافة الثقة في التقييم الذي يفيد بأن تايس على قيد الحياة، ويرجع ذلك جزئيا إلى عدم وجود أدلة جديدة موثوق بها تؤكد وضعه. ويتشبث آخرون بالتفاؤل، بعضهم في إدارة الرئيس الحالي دونالد ترمب. في عام 2019، سافر مسؤولون من إدارة ترمب الأولى، من بينهم كاش باتيل، مساعد الرئيس الأميركي ومستشار مكافحة الإرهاب آنذاك، وروجر كارستنز، المبعوث الخاص لشؤون الرهائن، إلى دمشق للقاء مسؤولين سوريين بشأن تايس. وقال مسؤولون أميركيون ومسؤولون سابقون إن الحكومة السورية رفضت تقديم أدلة على حياة تايس وطالبت الولاياتالمتحدة بالتراجع عن سياستها تجاه سورية وسحب القوات الأميركية من البلاد مقابل تدشين مفاوضات بشأن تايس. وأبقت إدارة بايدن على الاتصال بالحكومة السورية منذ ذلك الحين، لكن مسؤولي الأسد لم يكونوا على استعداد للتفاوض حتى توافق الولاياتالمتحدة على مطالبهم. وفي السادس من ديسمبر (كانون الأول)، قالت ديبورا والدة أوستن تايس وعائلتها في مؤتمر صحفي إن مصدرا قويا في الحكومة الأميركية أكد في الآونة الأخيرة أن تايس على قيد الحياة ويتلقى معاملة طيبة. وقالت الأم ديبورا تايس إن ابنها "يتلقى الرعاية وهو بخير". لكن في الساعات التي أعقبت المؤتمر، قال مسؤولون أميركيون ضالعون في قضية تايس إنهم لم يحصلوا على أي معلومات جديدة وإنهم فوجئوا بتصريحات والدته. وسافر كارستنز الشهر الماضي إلى بيروت لتنسيق البحث عن تايس. وكان هناك مسؤولون آخرون في المنطقة، من بينهم وزير الخارجية السابق أنتوني بلينكن ومساعدته لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف. وقال بلينكن للصحفيين الشهر الماضي "نحن مصممون على العثور عليه وإعادته إلى منزله وعائلته وأحبائه". وبعد مرور نحو أسبوع على الإطاحة بالأسد، كان بعض المسؤولين الأميركيين يخشون أن يكون تايس قد قُتل في جولة ضربات جوية إسرائيلية في الآونة لأخيرة. ويخشى مسؤولون أيضا أن تايس، إذا كان محتجزا تحت الأرض في زنزانة، لربما افتقر إلى الهواء الصالح للتنفس، لأن قوات الأسد قطعت الكهرباء عن سجون كثيرة في دمشق قبل فرار الرئيس. وظهرت الشهر الماضي تقارير عن رجل أميركي شوهد في دمشق، مما أحيا آمال أن تايس أصبح مطلق السراح،لكنه لم يكن تايس. وانتشرت أنباء الشهر الماضي تفيد بالعثور على ترافيس تيمرمان من ولاية ميزوري، بعد أن أطلقت قوات المعارضة سراحه من السجن. وقال تيمرمان إنه سافر إلى سورية في "رحلة روحية" العام الماضي، وألقي القبض عليه لدخوله البلاد بشكل غير قانوني.