إن التصورات الغربية للعالم العربي، تاريخيًا، تتسم بالثنائيات المختزلة والمبالغ فيها: التقدم والرجعية؛ والطبيعي وغير الطبيعي؛ والنهضة والركود؛ تلك الثنائيات المتجذرة في مفهوم وفكر "الاستشراق" الذي يضع كل ما هو غير "غربي" في إطار فكري وحضاري تهيمن عليه الشكوك بالإخفاق. وفي القرن الحادي والعشرين، حيث تتداخل المصالح الدولية مدفوعة بالقوة الناعمة، تبرز قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - بمثابة إعادة تصور دقيقة وعميقة لدور الدولة العربية. وكسرد مضاد، ظهرت رؤية المملكة العربية السعودية 2030 لتتحدى الروايات الغربية من جهة، وتفكك تمثيلاتها من جهة أخرى. إن رؤية 2030 تجسد نهضة متعددة الأوجه، بنيت وبوضوح على الإرث التاريخي للمملكة العربية السعودية وب "الطريقة السعودية" في النهوض مع احتضان الحداثة من خلال ما يمكن القول عنه التكامل العالمي والمرونة الثقافية والاستدامة بمعناها العام. إن رؤية 2030 ليست مجرد خطة اقتصادية، بل مشروع وطني شامل. فمن جهة، تعزز الاكتفاء الاستراتيجي للمملكة كقوة إقليمية من خلال تنويع الاقتصاد عبر مشاريع طموحة مثل جعل صندوق الاستثمارات العامة ليصبح أكبر صندوق سيادي في العالم وأيضًا توطين 50 % من الإنفاق العسكري. ومن جهة أخرى، وضعت المواطن السعودي في قلب نجاحها واهتماماتها، وذلك من خلال التركيز على تحسين جودة الحياة عبر تطوير التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية لمجتمع أكثر حيوية؛ هذا التحول يتجلى في الإنجازات العلمية والأدبية بالإضافة إلى النجاحات في استضافة المناسبات الدولية الكبرى، مثل: معرض إكسبو 2030 وبطولة كأس العالم لكرة القدم 2034. وبالفهم على هذا النحو، من الآمن القول إن الرؤية شككت في افتراضات السرديات الغربية التي قللت تاريخيًا من إمكانية "الإصلاح والنهضة" في منطقة الشرق الأوسط؛ بسبب ما تعانيه من اضطرابات. لم تكتفِ الرؤية عند هذا الحد، بل ركزت على تعزيز الهوية الثقافية والحفاظ على التراث التاريخي بهدف التأكيد على قيمتهما في بناء الروح الوطنية والمشاركة العالمية. على سبيل المثال، مشاريع تطوير الدرعية والمواقع الأثرية الأخرى والعمل على إنشاء أكبر متحف إسلامي في العالم، ومؤخرًا مبادرة وزارة الإعلام "كنوز السعودية" وتسمية عام 2025 بعام الحرف اليدوية؛ والتي جميعها تعكس صورة المملكة كحاضنة للتنوع والانفتاح وفي الوقت نفسه متمسكة بجذورها. إن شعار رؤية 2030، المضاف في الخطابات/الأوراق الرسمية في مؤسسات الدولة والموجود في كل معلم، له دلالاته النفسية من أجل العمل بجد نحو تحقيق الأهداف الوطنية، وكأن في ذلك أيضًا ارتباط بشحذ الهمم. وبناءً على ما سبق ذكره، وبالتشديد على "عملية وجدية" قيادة هذه النهضة، لا يظهر ولي العهد الأمير محمد باعتباره رمزًا وطنيًا فحسب، بل ومهندسًا للتغير العميق والبناء في التاريخ العربي والإسلامي المعاصر. لقد جعلت قيادته المملكة مستقرة، تقدم دروسًا في الحضارة والابتكار والمعرفة، كما أنها أظهرت الوطن نموذجًا يحتذى به ومنارةً للأمل في المنطقة. وكما وصفت شارلوت ليزلي، الأمير محمد، في مقالها بعد زيارتها المملكة عام 2017م، بأنه: "كان عظيمًا.. مفعماً بالطاقة والبصيرة.. زعيماً يقود التغيير في بلاده باستخدام قوة فكره وشخصيته". فليس غريبًا بأن يكون الأمير محمد الشخصية القيادية العربية الأكثر تأثيرًا لعام 2024 وللمرة الرابعة على التوالي؛ وذلك وفقًا لاستطلاع الرأي الذي أجرته (RT العربية). د. تركي فيحان الشيباني