كم هي الأماني العظيمة التي تحتشد في أنفسنا! فلا نكاد نكف من أمنية إلا لأخرى وهكذا دواليك، أمانٍ متتالية ومتوالية نعيش معها طوال اليوم، وحتى على امتداد أعمارنا في درب سفرها الطويل في رحلة العمر، فإذا كانت الأمنية هي ما يتمناه المرء ويرغب فيه أو حتى يشتهيه، فإن الأمل هو ذلك الكائن البعيد المنتظر الذي لا يتوقف عند عتبة اليأس، نشعر بتحققه مستقبلاً حال التفاؤل مع تعاظم النفس لقادم أفضل، وذاك هو حقيقة الأمل الذي يعيشه كل إنسان. إن كل أمانينا مقترنة بالآمال وبتطلعات طامحة، فمن أعماق أرواحنا ودواخل أنفسنا يدوي صدى صوت مسرحي صاخب يرتد رجع صداه ليجلجل بين جوانحنا، غداً ستتحقّق كل الأماني، وذلك الغد المنشود لا ينتهي أبداً بِكَرّ الليل والنهار، وروافعه أن غَدنا محفوف بالأمل وعزائم الطموح وحسن الصبر، هكذا هو الإنسان يتأرجح بين (أمنية وأمل)، حتى جاءت أشعار العرب وحكمهم وأمثالهم تدفع الناس نحو هذا المفهوم،(ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل) شطر هذا البيت ينقلنا من دائرة الضيق إلى ساحة السعة، لتنطلق بنا رؤية ذلك الشاعر من زاوية بعيدة تنبثق من ظلمة السديم إلى واحة مشرقة بالنور، ومع هذه الآمال الكثيرة والتطلعات الكبيرة قد لا يتحقق إلا بعض منها، وحينما نسمع شطر هذا البيت نشعر أنه لا يزال الأمل ينمو في أعماقنا ويتفرع نحو الأمنيات العظيمة حتى وإن كانت بعيدة المنال عصية على التحقق، وهنا يجب أن نقف طويلاً في فسحة هادئة للنظر بعين البصيرة والحكمة حول مفهوم الأمنية، هل الأمنية مقتصرة علينا أم هي متجاوزة لغيرنا؟ فكما أنت تتمنى غيرك يعيش هذا الدور ويتطلّع للأماني، فلماذا لا نلتفت ولو برهة لنحقق ما نستطيع نحو أماني غيرنا، ونمد أجنحة الأمل إليهم لترتخي بظلال وارف تمنحهم طاقة إيجابية في الحياة، قد تغِيبُ بعض من أمانينا لكن لا يجب أن نُغيّب الأمل بمعناه المطلق، فالأمل تجتمع معه القوة ويولد الخير، ولنفتح نافذة يوم جديد ونغرس فسائل الأمل لتتبرعم في دواخلهم وتكبر كل يوم لتحد من هبوب رياح اليأس وعتو ريحه الصرصر، هي حقيقة ليس بوسعنا أن نحقق كل أمانينا ولكن يمكننا أن نحقق ولو بعضاً من آمال غيرنا ونحن نرحل معهم في عوالم الترحال لبث روح الأمل لتنسرب الأنفس لمهاجعها بكل طمأنينة وسكينة، وهنا يكمن البعد المتعلق بالجانب الإنساني النبيل والإحساس بالجسد الواحد كمشروع إنساني تهون أمامه كل العقبات، لنحقق بمبادئ استخلافنا في الأرض، علينا أن نقف بوعي ونفطن كيف نقدح شرارة الأمل ونغير مسار آلامهم ومتاعبهم وشقاء حياتهم، علينا أن نقف بشيء من العطاء ولو كان يسيراً ليمتد نحو حقيقة النفع بإحساس جمعي لتنبثق بصائر نورانية في هذا الوجود، علينا أن نقف على ناصية الحياة لنتأمل حقيقة الأمل ككلمة ذات روح ومعنى تحمل تعبيراً مكثفاً يبدد سواتر الظُلمة، كلمة نتقدم بها خطوة وننثرها في ساحة الجمع، فإذا كانت الأمنية متعلقة بالشخص نفسه، فإن الأمل نحن من يصنعه وقد نكون سبباً في تحققه لغيرنا ليمتد بهم نحو الحياة، وبالأمل نصل المسافة الفاصلة ونردم هاوية الأيام السحيقة ونوثق عرى العلاقة ونسعِدُ الآخرين ونحقق بعض أمنياتهم من خلال طود عظائم آمالنا.