حل العام الميلادي الجديد، ومعه تتجدد التطلعات للنهوض بالشأن الثقافي بما يتوازى مع رؤية 2030 التي أعلنها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. تلك الرؤية التي لم تعلن لتشمل جوانب أو مجالات محددة، أو لتركز اهتمامها على مستوى دون آخر من مستويات الحياة الفردية والمجتمعية، بل لتمتد بنفعها كل المجالات الحيوية المختلفة، ومن ضمنها المجال الثقافي الذي ظل يعاني لعقود من عقبات عدة، ما بين انحصارها على نواد أدبية وثقافية محددة، وبين جهود أكاديمية (خجولة) تظهر بين الحين والآخر، وما بين هذا وذاك لم تحظَ بالدعم الكافي ولا بالاهتمام المؤسسي المنفرد، إذ ظل نشاطها -في معظمه- مقتصراً على طائفة نخبوية معينة في سياق يحفه كثير من العزلة! ودائماً ما يقال: إن الخبر ليس كالعيان، فالناظر لمسيرة الحركة الثقافية اليوم يلحظ دون أدنى عناء تلك التحولات الجذرية التي طرأت عليها حتى ليكاد يستعصي عليه التصديق أن حال الحركة الثقافية اليوم هو حالها في الأمس! إذ من العسير استقصاء كل ما تقدمه اليوم وزارة الثقافة ممثلة في هيئاتها المتعددة. ولا يخفى ما تقدمه هيئة الأدب والنشر والترجمة من جهود حثيثة عبر عدة مبادرات نوعية، منها مبادرة الشريك الأدبي الهادفة إلى نشر وتعزيز الثقافة بين أوساط المجتمع، وإلغاء الفجوة المستديمة بين النخبوي والشعبي. وبدوره قدم الدكتور سعد البازعي حلقات ثرية في برنامجه (كتاب ومنعطف) مستضيفاً فيه مجموعة من المختصين في الفلسفة والنقد، للحديث عن الكتب التي شكلت منعطفاً مهماً في تاريخ الفكر الفلسفي والنقدي، وعقدت كذلك الجمعية العلمية السعودية للغة العربية عدة جلسات حوارية (حوار حول إصدار). وضمن جهود الجمعية السعودية للأدب المقارن، ركز برنامج (ناقد) على نشر ثقافة النقد مستهدفاً شرائح مختلفة من المهتمين بمجالات التفكير النقدي وتحليل الأعمال الأدبية، وصدرت نشرة (سياق) الإلكترونية على مدار عامين متتاليين، ثم مد (صالون أدب) أشرعته الأدبية متنقلاً في معظم أنحاء المملكة. ومؤخراً أطلق معالي المستشار تركي آل الشيخ جائزة (القلم الذهبي) للأدب الأكثر تأثيرًا، وظهر برنامج (الفيلسوف) الذي يقدمه الدكتور شايع الوقيان على القناة الثقافية، إضافة إلى احتفاء وزارة الثقافة بالأعوام الثقافية التي تهدف إلى الحفاظ على الموروث الثقافي والاعتزاز بالقيم الثقافية والحضارية، بدءاً من عام الخط العربي 2020-2021م، وعام القهوة السعودية 2022م، وعام الشعر العربي 2023م، وعام الإبل 2024م، وعام الحرف اليدوية 2025م. حقيقة الأمر: إن ما كنا نقرؤه ونسمعه عن أمنيات وتطلعات مثقفي الأمس، نجده اليوم ماثلاً رأي العين، بل إلى حد تجاوز أفق تلك الأمنيات والتطلعات، نظير الدعم غير المحدود للحركة الثقافية والأدبية على وجه التحديد. ولذلك وجب أن تأتي العزائم على قدر أهل العزم، وأن تتساوق الجهود والرؤى في سبيل إثراء الحركة الثقافية إلى قدر يوازي تطلعات هذه الرؤية الوطنية الطموحة التي أمطرت فعمت بنفعها أرجاء البلاد. الأمير بدر بن عبدالله بن محمد بن فرحان المستشار تركي بن عبدالمحسن آل الشيخ حسين المرحبي