من غير الخافي أن مفهوم الثقافة يتجاوز أي محاولة لتأطيره في حيز الفعاليات المتعلقة بالأدب بأنماطه المختلفة، وما يتعلق بها من أنشطة تدور حول الشعر والقصة والرواية والنقد وغير ذلك، مما يدور في هذا الفلك المؤطر، فهذا المفهوم المتسع أصبح يستوعب كثيرًا من القضايا التي ربما لا تكون لها صلة قريبة بالمفهوم التقليدي للأدب.. ولعل الأندية الأدبية الستة عشر قد شهدت صراعًا حول ماهية الاسم والنشاط المقدم على منابرها.. ففي ظل المرونة التي أعطتها وزارة الثقافة والإعلام للمؤسسات الثقافية ومنها الأندية الأدبية لرسم سياسة نشاطها وتنفيذ فعالياتها يلحظ المراقب لأداء المؤسسات الثقافية الرسمية والمجتمعية والأندية الأدبية تركيزها على النشاط النخبوي المتخصص في كثير من فعالياتها المنبرية والتأليفية في حين تكاد نغيب الأنشطة المجتمعية وهموم المجتمع وقضاياه المختلفة التي يجب أن تتناولها تلك المؤسسات لتسهم في حلها، فالمثقف ابن المجتمع وجزء منه، وحل الكثير من القضايا المجتمعية يجب أن ينطلق من مؤسساتنا الثقافية ليبنى على رؤية أوسع وأشمل فالثقافة مفهوم واسع يجمع كل ما يهم المجتمع ومكوناته.. آراء المثقفين ورؤساء الأندية الأدبية في هذا الاستطلاع تفاوتت بين ضرورة تأطير نشاط الأندية الأدبية وفقًا لمسماها والهدف الذي من أجله أنشئت، وترك بقية الفعاليات للجهات ذات الاختصاص، كل في مجاله ومضماره، بينما يرى آخرون ضرورة أن تفتح هذه الأندية الأدبية نوافذها على المجتمع بتلمس قضاياه، جملة هذه الآراء في سياق هذا التحقيق.. فك الارتباط بداية تحدث الدكتور ظافر العمري رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للأدب العربي ووكيل كلية اللغة العربية للتطوير الأكاديمي وخدمة المجتمع قائلًا: لا شك أن الأندية الأدبية والمؤسسات الثقافية وجمعيات الثقافة وكل الجهات المعنية بأمر الأدب والثقافة مطالبة بالاتصال بالجمهور لتمد الجسور إلى شرائح المجتمع كافة من النخبة وغير النخبة، ولكن الملاحظ أن الأندية الأدبية لا تستطيع أن تفي بهذه الجوانب في ظل تأطيرها وتحديد مسارها في مجال الأدب، وإن كانت كل قضايا المجتمع هي موضوعات أدبية وهي ميدان الأدب بشكل واسع، والثقافة واسعة تشمل كل القضايا الاجتماعية والأخلاقية والسلوكية وهذه يمكن أن يناقشها الأدب؛ فالأدب ليس بمعزل عن المجتمع وما يدور فيه، فالخطابات الجمعية والوطنية ذات الطابع العام تنطلق من الثقافة والمثقفين غالبًا. ويضيف العمري بقوله: أذكر في يوم ما عندما لوحظ طرح بعض الموضوعات الاجتماعية في بعض الأندية الأدبية انتقدها البعض واتهمها بالخروج عن مسارها المحدد لها، وأعتقد أن ارتباط الأندية الأدبية بوزارة الثقافة والإعلام وتحديد مسار نشاطها وفعالياتها يحد من أداء الأندية والمؤسسات الثقافية بشكل كبير؛ لذا فإن تشكيل هيئة أو جهة تعنى بأمر الثقافة حتى وإن كانت مرتبطة بوزارة الثقافة والإعلام أعتقد أنه سيعطي دفعة قوية لأداء الأندية بل المؤسسات الثقافية بشكل عام. وظيفة محددة أما الدكتور حامد الربيعي رئيس مجلس إدارة نادي مكة الثقافي الأدبي فيقول: عندما نقول الأندية الأدبية فإن التسمية وجهت ابتداء إلى الأدب، والأدب في مفهومه الاصطلاحي له حدود وله آفاق، وإذا سمينا الأندية بالأندية الأدبية فكأننا نمنحها وجودًا ووظيفة ومجالًا يمكن تحديده ووصفه وحصر نطاقه، هذا من ناحية، والحقيقة أن اللائحة سمت الأندية بالأدبية وفي هذه الحالة فإن الأندية الأدبية إذا أدت في مجالات أخرى فهذا جهد تشكر عليه، والذي أعلمه أن الأندية الأدبية تحاول الخروج إلى مجالات أخرى وبخاصة الأندية التي كانت تسميتها منذ بدايتها وفي قرار إنشائها النادي الثقافي الأدبي أو الأدبي الثقافي ومنها نادي مكة الثقافي الأدبي، وهنا لم ينس نادي مكة هذه المهمة منذ أن أنشئ فهو دائمًا يجعل للثقافة المجتمعية نصيبًا من برامجه المنبرية ومطبوعاته وإصداراته وصفحات مجلته الدورية والشواهد قريبة، فعلى سبيل المثال أنشطته التي نفذت خلال موسم الحج واستقبال ضيوف الرحمن واستضافة المثقفين منهم والمشاركة في الحملة التوعوية (الحج عبادة وسلوك حضاري) بتوجيهات كريمة من سمو أمير المنطقة الأمير خالد الفيصل حفظه الله، وإقامة ندوة كبرى تحت عنوان الضيافة في الإسلام، وهنا لا أدافع عن الأندية ولكن أقول هناك نشاط اجتماعي للأندية نلحظه في الملتقيات السنوية لستة عشر ناديًا غالبًا ما نجدها تركز على الموضوعات التي تهم المجتمع، بل إن بعض الأندية التي خصصت ملتقياتها لجنس أدبي معين كالرواية مثلًا فإنها تهتم بدراسة الرواية من زاوية تاريخية واجتماعية وتربوية، فالأندية قناة من قنوات التثقيف وتمارس دورها لا في حدود طاقتها وإمكاناتها ومعرفتها بالمجتمع المحيط بها وحدود جمهورها وروادها ومرتاديها. خروج من الأسوار ويرى حماد السالمي رئيس نادي الطائف الأدبي السابق أن وجود أي ناد في أي محيط أو مجتمع يجب أن يكون متفاعلًا مع المتغيرات المجتمعية، والأندية شريكة في المشهد التربوي والاقتصادي والتنموي، لهذا وإبان رئاستي لنادي الطائف الأدبي طبقنا هذا عبر شراكات مع عدد من الإدارات الحكومية كالمحافظة والأمانة وإدارة التربية والتعليم ومؤسسات المجتمع المدني، وأعتقد أنه لا ينبغي أن ينحصر دور الأندية في أنشطة نخبوية؛ بل يجب أن يخرج نشاط الأندية من محيطها وأسوارها إلى مناقشة قضايا المجتمع التي هي جزء منه.