العالم في حركة دائمة متسارعة، المناخ وتأثيراته النفسية علينا، ذوبان الجليد واحتمال عودة فيروسات وبكتيريا كانت حتى الآن كامنة عمرها ما يزيد على 15 ألف عام، التكنولوجيا وتطورها فائق السرعة و"قصف" المعلومات والأخبار التي نتعرّض لها. مستقبل أبنائنا في ظل كل هذه التغييرات، المهن التي كانت فتحاً في العلم قبل سنوات، قد تختفي، أطفالنا سيمتهنون مهنا لم نعرفها في شبابنا، الذكاء الاصطناعي سيلغي العديد من الوظائف التقليدية. كل هذا وأكثر.. كيف نتفاعل معه؟! واحد من كل أربعة موظفين عانى من أعراض متلازمة الإرهاق الوظيفي، بحسب استطلاع لشركة ماكينزي (2022). أكثر من 300 مليون إنسان يعاني من الاكتئاب. وأكثر من 800 ألف إنسان يقدمون، سنويا، على الانتحار، أي وفاة واحدة كل 40 ثانية، وفقا لتقرير لمنظمة الصحة العالمية (2023). ماذا تقول لنا هذه الأرقام المرعبة؟ لقد أصبح الإرهاق والتشتيت والعنف جزءا من ثقافتنا وإعلامنا وحتى ترفيهنا، ما يجعلنا في انقطاع خطير عن العالم الطبيعي! ما العمل إذاً؟ لم يعد بإمكاننا الجلوس وانتظار التغيير. على التغيير أن يبدأ داخلنا، مع "الإنسايية". والإنسايية مصطلح آيسلندي ويعني لغويا "البحر الكامن في أعماقنا"، وما نسميّه نحن ببساطة "الحدس" أو الحاسة السادسة، هو طريقة بديلة للتعامل مع الحياة، تعلّمنا كيفية تسخير الحدس وإبداعه لنحيا حياتنا بأفضل شكل ممكن. مع ذلك فإن "الإنسايية" تحمل طبقات أعمق من المعاني التي تساعد في شرح الفلسفة الكامنة وراء هذا المصطلح: * البحر الداخلي: أو تدفق العقل الباطن، الذي لا يمكن حصره في قوالب، لأنه، حينها سيتوقف عن التدفق. * الرؤية الداخلية: بمعنى معرفة النفس بشكل جيد بما يكفي لوضع نفسك مكان الآخرين وبناء روابط تعيد تجديدك باستمرار. * الرؤية من الداخل إلى الخارج: اي ايجاد صلة داخلية قوية تمكنك من التنقل وخلق مسارك الخاص في بحر الحياة دائم الحركة. في "دليل الإنسايية الآيسلندي"، الصادر حديثا عن دار نوفل / هاشيت أنطوان، ضمن سلسلة إشراقات للتنمية الذاتية، تقول الكاتبة والمخرجة رند غنستاينزدوتر أن لدى كل واحد منا، بصرف النظر عن العمر والجنس أو العرق، "إنسايية"، هو جزء من كوننا بشرا ومن الحياة نفسها، هو البوصلة التي تعمل من دون الحاجة إلى المنطق، هو القوة الساحرة التي يمكن تفعيلها إلى أن نبلغ حالة من التدفق تأخذنا إلى أعمق أشكال التركيز. يحتوي الكتاب، الذي نقلته الى العربية المترجمة مريم موسى، على قصصٍ ملهمة وتجارب علميّة وحقيقيّة، ومزيجٍ من التمارين العمليّة والتأمّليّة، نتعلّم منها كيفية تفعيل حدْسنا وتحقيق التوازن بين العقل والروح، بين الوعي واللّاوعي، بين المنطق والحدس، مسلّحين ببوصلةٍ متينة، لنتمكّن من الانصهار في العالم المحيط بنا، ونحقّق الإنجازات فيه، سواءٌ على المستوى الفردي أو المجتمعي أو العالمي. وتوضح الكاتبة ان التوافق مع البحر الداخلي سيساعدك على اتخاذ قرارات أكثر وعيا واستقبال الإبداع في حياتك مجددا، في حين ان التأمل الذاتي سيساعدك على تشذيب وعيك الذاتي وتنمية تعاطفك وتسامحك مع محيطك، بينما تمكّنك الرؤية من الداخل الى الخارج من إحداث التغيير حولك وعيش حياة أكثر إنجازا ورضا. عبر هذا الدليل، 224 صفحة، تدعونا الكاتبة إلى إدراك أهمّية النصف الآخر من دماغنا وإيقاظه في عالمٍ سريع الوتيرة يعجّ بالضغوط ويجبرنا على اعتماد التحليل والقياس كالآلات، وفيه تقدّم لنا رؤى جذرية حول كيفية إعادة التفكير في الطريقة التي نتفاعل بها ونشعر بها في العالم المحيط بنا، وكيفية توظيف خيالنا وتعاطفنا مع محيطنا، وكيفية الانفتاح على إمكاناتنا الداخلية الكاملة، من دون ان تعيقنا الثقافة السائدة اليوم. "دليل الإنسايية الآيسلندي"، يجري عكس تيّار الحداثة، فيدعوك إلى الاستماع لصوتك الداخلي بدل القيام بتحليلات وحسابات العقل والربح والخسارة. هو دليلٌ عملي وأداةٌ فعّالة للتفكّر والتفاعل مع ذاتك وإشعال قدراتك الخامدة.