من أهم نقاط الضعف في التركيبة السيكولوجية العربية: مشكلة تدني مستوى المفهوم الكلي، أي إننا نفتقد مسألة الانسجام الداخلي بين مستويات الوعي العام لدينا، حيث إننا نفتقر إلى رؤية بانورامية شاملة إزاء الأحداث والمواقف المختلفة، ودائماً ما يطغى الجانب الانفعالي العاطفي على عملية الفرز العقلي التي تساعد على تمحيص المعلومات و بلورة الأحداث وفهمها بطريقة صحيحة، وهذا الخلل في الفهم العام يظهر جلياً وواضحاً في طريقة تلقِّينا البرامج الإعلامية التي يعتمد بعضها على طرح حالة إنسانية مغرقة في كل مايبعث على الحزن ليتم تسويقها بطريقة ريعية الهدف منها التأثير في المتلقي عاطفياً دون الخوض على نحو مهني في أوجه القصور الكامنة خلف هذه الحالة أو محاولة معرفة أسبابها والبحث في حثياتها ومن ثم إيجاد الحلول الممكنة لها، ومع الأسف إن هذا النوع من البرامج يجد أصداءً واسعة واندفاعاً شديداً وتعاطفاً اجتماعياً كبيراً من جميع أطياف المجتمع. لقد اهتم كثير من الباحثين بدراسة البنية الذهنية والثقافية للمجتمع، وتعرض بعض منهم إلى محاولة فك ذلك التشابك بين الحقيقة والوهم والواقع والخيال، وكيف تتداخل كل هذه الأمور لتشكِّل في نهاية الأمر نمطاً معيناً من الفكر والسلوك المخالف للتفكير المنطقي والذهنية العلمية، ونتيجة لذلك ضعفت القدرة على التعامل مع تدفق البرامج الهائل من الفضائيات التي تواظب بإلحاح على طرق أبواب عواطفنا، فيتعين علينا – دفاعاً عن النفس – أن نقلل باستمرار الدرجة التي تبدأ معها حساسيتنا، حتى نستطيع أن نضفي على مايطرح علينا أعلى وحدة عقلية ممكنة و بذلك نجعل العقل مصدراً خالصاً للمفاهيم والأحكام التي لا يمكن أن تصدر إلا عنه. تبدأ ثورة التغيير العقلية، حين ننجح في تحرير أنفسنا من تبعية الآخرين، وحين يصبح لدينا القدرة على تحليل الأحداث المحيطة بنا تحليلاً منطقياً عقلانياً وفق أسس المنهج العلمي، فبعد أن كان العقل وسيلة لمقاربة الحقيقة والنفاذ من السطح إلى ماهية الظواهر، أصبح مجرد أداة مفرغة من كل توجه معرفي وفكري ولم يعد الفرد العربي قادراً على تأسيس صحة المعايير والأفكار الخاصة بالسلوك الإنساني وتوجيهها نحو تحقيق الهدف الذي يشبع فضوله العلمي، فعندما يكتسب الفرد المستقل والمتفتح ذهنياً مهارة التفكير العلمي المنظم، فمن المفترض أن يتوفر فيما يتلقاه من قنواته الإعلامية بعض القراءات والسياقات الفكرية التي يجب أن تتوافق – على الأقل – مع الخطوط العريضة لعقليته المنهجية. إن البرنامج القائم على الاستنزاف العاطفي ينكر على الإنسان أن يكون له القدرة على تحقيق عالم أكثر مطابقة للعقل، عالم يمكن فيه تخطيط الأمور الإنسانية تخطيطاً عقلياً سليماً، لذا كان من الواجب علينا أن ننتقل سلوكياً وفكرياً من مرحلة (العاطفية) ومايصاحبها من غوغائية وخيالية إلى مرحلة (العقلية) أو (العلمية) ومايلزمها من استخدام أدوات منهجية جديدة للخروج من هذا الحصار العاطفي الذي تفرضه علينا بعض البرامج الفضائية.