أوشك ديسمبر على المغادرة حاملًا معه جزءًا حافلاً من أعمارنا، ومن أحلامنا، ومن خيباتنا، ربما هو نهاية عام أو بداية لحياةٍ أخرى، ففيه نحن نحزم حقائب الذاكرة نُوُدِعُ فيها الكثير من الأشياء، نحاول إغلاقها بلطف لأن فكرة تركها مفتوحة فكرة مؤذية، لذا نحن نضع النقاط الأخيرة قبل بدء دورة جديدة من العمر، في ديسمبر كل شيء يزداد تفاعلًا، فهو محاولة للحاق أو محاولة للإغلاق، محاولة للأمل أو محاولة للنسيان، لم أجد بين أشيائي مفكرة مهام محسوسة أراجع من خلالها أحداث العام الماضي، أو أبدأ بها عامًا جديدًا، أو أُودِّع بها ديسمبر، والذي غالبًا يتوهج بمفكرات العام الجديد والتي تحمل تصنيفاتٍ متنوعة ومقسمة للأهداف والخطط والإنجازات، وحتى للعثرات، صفحاتٌ ورقية فاخرة مدوَّنة بالتاريخ واليوم والساعة، مجهزة فقط لنملأها بأحلامنا وأهدافنا لكل عام، اقتنيت إحدى تلك المفكرات قبل عدة سنوات، كتبت فيها بعض الخطط والأهداف، دونت فيها عدة أسابيعٍ قصيرة ثم توقفت تمامًا، لم استطع إكمالها، فقد أرهقتني فكرة الالتزام بخطة قد تُهزم، وأهداف وأحداث قد لا تتحقق، أرهقتني فكرة وضع التواريخ، خشيت من ظهور الفشل كنتوءاتٍ شوكية بين أسطر خطتي السنوية، لذا آثرت الاحتفاظ بتلك الأحداث والأمنيات في ذاكرتي، أيضًا كتبت بعض التدوينات المتفرقة على أسطر حرة دون حدود الوقت، أنا لست ضد التخطيط، ولا ضد كتابة الأحلام والأهداف، ولكن فكرة التقيد بالمواقيت والتأريخ فكرة مرهقة قد نتحوَّل من خلالها إلى آلاتٍ ميكانيكية، فنطالب أنفسنا بالعمل وفق الخطة المعدَّة، ونرهق إمكانياتنا بسباق الزمن، وعند حدوث أي خلل أو تقصير لن ننجو من جلد الذات ومشاعر الضيق، لذا لا بد أن تتسم خططنا بالمرونة في الإعداد والتوقيت والترتيب، ربما تحمل فكرتي شيئًا من الصواب، وربما يجدها البعض خاطئة، وفي كل الأحوال أفكارنا وأهدافنا هي من تقيدنا أو تحررنا، في نهاية ديسمبر اعترف بأني أنجزت الكثير من المهام والأحلام، وأني حصدت الكثير من الأحداث الجميلة والأيام الحلوة، ولكني لا أملك (أرقامًا دقيقة) لكل تلك الأشياء، علاقتي بلغة الأعداد مضطربة، لذا لا أملك قائمة محددة بعدد الأشياء التي توافدت إلى حياتي، أو بعدد النجاحات والخيبات، ولا بعدد الكتب التي قرأتها خلال العام، ولا عدد القصص والمقالات التي كتبتها، ولا التواريخ التي خذلتني وخذلتها، لغة الأعداد في اعتقادي لغة تعيق أهدافنا وشغفنا، (ديسمبر) يغادر ربما بلا عدد ولكن في حقائبه الكثير منَّا ومن أحلامنا.