بعد نقاشات جادة، وطرح رؤى وأفكار جديدة، نجح مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة 2024 في نسخته الرابعة، في تحقيق مستهدفاته، ووضع تصوراً شاملاً، في آليات توظيف الفلسفة، لتعزيز برامج جودة الحياة، التي جاءت بها رؤية 2030. مسار هذه النقاشات، انطلق من ورش عمل، وجلسات مفتوحة، شارك فيها مختصون في الفلسفة، انصب تركيزهم على فحص المعاني والأفكار المطروحة، والتأكد من جدواها، ومن ثم اقتراح جوانب جديدة في مفاهيم العلاقة بين الفلسفة وجودة الحياة. نجاح المؤتمر، امتد أيضاً إلى قدرته على ترسيخ أسس الفلسفة، والتقارب في أساليبها التمكينية وأدواتها، ما بين المملكة والعالم، فضلاً عن قدرته على تعزيز الفكر الفلسفي لدى الأجيال الناشئة. اختيار المؤتمر «جودة الحياة» موضوعاً له، يعكس الذكاء الشديد للقائمين عليه، وبُعد نظرهم، للتأكيد على أن تحقيق جودة الحياة، لا يقتصر على بناء المدن الحديثة، والمنازل المجهزة بكل أدوات الراحة والرفاهية فحسب، وإنما هناك مسار فلسفي مهم، يشير إلى أن «جودة الحياة» يندرج ضمن مفاهيم الفلسفية العميقة، بما تشمله من تحليل نقدي عميق، لإدراك المعايير المختبئة خلف معيار «الجودة»، ويعتمد هذا على أدوات فلسفية، لتقييم مفاهيم جودة الحياة، والحياة الطيبة، والعالم الأفضل. المؤتمر اختار منهجاً معيناً يحقق من خلاله أهدافه المرجوة، وذلك من خلال ربط الفكر الأكاديمي عن نظريات الفلسفة المختلفة، بالتطبيقات الواقعية، وهو ما دفعه للتركيز على أهمية الفلسفة، ودورها في معالجة التحديات المجتمعية المعاصرة، ويشير إلى ذلك، عنوان المؤتمر لهذا العام «الفلسفة وجودة الحياة: الوجود، والحقيقة، والخير». ولم ينس الأكاديميون والمتخصصون الذين شاركوا في المؤتمر، أن يركزوا أحاديثهم على المفردات المرتبطة برفع درجة جودة الحياة، ولكن من منظور فلسفي، يعالج الأبعاد المتعددة للموضوع، واشتملت هذه المفردات على الصحة، والتعليم، والعدالة، والسلامة، والانتماء، والعلاقات، والحرية والكرامة، ومساعدة الإنسان المعاصر على رفع جودة حياته، انطلاقاً من دور الفلسفة في تقديم الرؤى والأفكار التي تقارب هذه المفاهيم تحليلياً ونقدياً. يدرك القائمون على المؤتمر أن النقاشات الفلسفية العميقة، تساعد البشر بمختلف مستوياتهم الفكرية، على مواجهة التحديات اليومية، من خلال الخروج برؤية فلسفية، تخفف من وطأة هذه التحديات، وتعزز التواصل الإيجابي بين البشر، من خلال نشر ثقافة التعايش بينهم، شريطة القدرة على الارتقاء بالتفكير النقدي، وتفعيل الحوار البناء، ومحاولة فهم ما يدور حولنا بشكل أعمق من الآخرين، وهو ما يساعد أيضاً في اتخاذ قرارات صائبة بشأن الموضوعات المهمة.