ما يدعو للبهجة والانتشاء وحالة الزهو، هو ما تعيشه المملكة من حراك مذهل ومتنوّع في كل المجالات والحقول، فالرياض كعاصمة عالمية تزخر بهذا الحراك عبر استضافاتها العديدة للمؤتمرات والفعاليات العالمية، تؤكد وترسّخ ريادتها على جميع المستويات. وها هي اليوم تجدد هذه الريادة من خلال رسالتها كمنارة فكرية رائدة في العالم العربي، وفي مجال الفكر الفلسفي العالمي. وينطلق اليوم في رحاب الرياض مؤتمر دولي تحت عنوان «الفلسفة وجودة الحياة»، وهو موضوع راهني بالغ الأهمية في عصرنا الجاري. فالعنوان العريض للمؤتمر جاء منسجماً ومُترجماً لأحد أهم المرتكزات والمفاهيم التي ركّزت عليها رؤية 2030، وهو «جودة الحياة»، فهذا المفهوم وربطه بالفلسفة يعكس حقيقة مهمة، وهي أن الفلسفة رغم ما يحيطها من هالة الغموض، وأحياناً كثيرة التجريد، فهي ليست ببعيدة عن كونها عاملاً مُساهماً في تجويد حياتنا عبر أدواتها وآلياتها الغنية القادرة على إمدادنا بما نحتاجه من أدوات ومفاهيم وطرق تفكير تقدّم لنا الحلول والإجابات التي تثري عقولنا وأفكارنا بما يعزز جودة الحياة وإخصابها وإغنائها؛ والفلسفة بهذا الدور تتجاوز كونها حقلًا تأمليًا ونقديًا، يقتصر على التأمل النظري أو الأسئلة الميتافيزيقية المجردة. ولقد أحسن القائمون على المؤتمر وعنونته بهذا العنوان الخصب الثري، وهو يتّسق مع دور الفلسفة وتاريخها ونشأتها منذ العصور القديمة في سعيها لفهم الحياة الإنسانية، وتقديم إجابات حول مفهوم الحياة والسعادة والفضيلة وغيرها من قيم ومعايير تنظّم الحياة وتسهم في جودتها؛ وهذا السعي تلمّسنا حضوره عبر التاريخ من بداية الفلسفة الأرسطية التي ربطت الفضيلة بالخير الأسمى، إلى الفلسفات المعاصرة التي تدعو لتحقيق الذات والتوازن النفسي، والعيش المتناغم؛ فنجد أن الفلسفة تقدم مفاهيم ودروسًا يمكن تطبيقها في الحياة اليومية. ولعل من المهم التأكيد على قيمة وأهمية شعار هذه النسخة للمؤتمر، وكيف أنه يؤكد التزام المؤتمر باستكشاف كيف يمكن للفكر الفلسفي أن يسهم بتعزيز رفاهية الإنسان وتنمية المجتمع، بجهود تنظيمية من الهيئة في إطار جهودها لدعم مبادرات رؤية المملكة 2030، كما أن المؤتمر يأتي المؤتمر كإحدى الركائز الرئيسة لهذه المبادرات، حيث يُسهم بترسيخ مكانة مدينة الرياض مركزًا عالميًا للحوار الفكري من خلال مناقشة القضايا الفلسفية المعاصرة من زوايا متعددة. ويتضمن المؤتمر مجموعة من الأنشطة التفاعلية المميزة وحلقات نقاش وورش عمل تطبيقية، ويناقش موضوعات متنوعة تتناول تقاطعات الفلسفة مع الواقع، والجوانب الفلسفية للصحة والجمال، والقضايا الأخلاقية في المجتمع، كل هذا يقدّمه أكثر من 60 مفكّراً، ما يعطي تجربة فكرية غنية وشاملة للحضور. وبذا تحضر الفلسفة، بمختلف مدارسها وتوجهاتها، لتثبت بأنها تتجاوز الفكر النظري، وأنها أداة حيوية لتحسين جودة حياتنا، تمكّننا من التفكير بشكل أعمق، والتفاعل مع العالم بشكل أكثر وعيًا، كما تكشف لنا الفلسفة مدى عمقها ورحابة ممكناتها في تحريك حياتنا، وتحسين جودتها، سواء على المستوى الفردي أو الاجتماعي، وثبت أنها ليست ترفاً فكرياً، بل هي سبيل نحو حياة أفضل وأكثر توازنًا.