أشار الناقد الأميركي المعاصر (يان ما نفريد) في كتابه (علم السرد، مدخل إلى نظرية السرد) إلى بعض المستويات السردية التي أطلق عليها (أجناس السرد) وقال: «يوجد أشكال لا حصر لها من السرد في العالم. أولاً وقبل كل شيء، هناك تنوع مذهل من الأجناس الأدبية، كل منها يتشعب إلى وسائط، كما لو أن كل المواد يمكن أن تطوع لتستوعب قصة البشر» وقد أشار إلى أن «السرد يحضر في الأسطورة، والنقش، والخرافات، والحكايات، والقصص القصيرة، والتاريخ الملحمي، والمأساة، والدراما، (الدراما التشويقية)، والكوميديا، والتمثيل الإيمائي، واللوحات، والسينما، والأخبار المحلية، والمحادثة، وعلاوة على كل هذا التنوع غير المحدود من الأشكال، فإن السرد يحضر في كل الأوقات، وفي كل الأماكن، وفي كل المجتمعات»، كما ألمح إلى بعض أنواع السرود الأخرى في كتابه، كالسرد المتخيل، وغير المتخيل، والسرد التعليمي، وسرد الأطفال، وسرد الأطباء، وسرد العائلة، وسرد المحاكم، والسرد الموسيقي، والسرد السينمائي، والسرد العقلي أو الداخلي، وما شابه ذلك. ويمكن أن نقترح بعض أنواع السرود من حيث أصالة السرد وطبيعته، فنذكر مثلاً: (السرد الأصلي): ونعني به المتن الأصلي للحكاية، وهو أن يسرد الكاتب قصته بما فيها من أحداث، وشخصيات، وزمان، ومكان، وهذا المستوى السردي هو النص الظاهر، أو السطحي، وهو الذي تمثله النصوص قاطبة منذ أن تستوي حكاية تُسرد إلى أن تنتهي، ويتميز هذا اللون من السرود بعدم تداخله مع سرودٍ أخرى، حتى الأمثلة التي يعرضها، أو الأدلة التي يستشهد بها إنما تأتي في إطار من سيطرة الراوي، وتحكّمه بزمام السرد؛ ولذلك فإن هذا النوع من السرد يصدر من جهة واحدة، لم تختلط بغيرها. هناك نوع آخر يمكن أن نشير إليه أيضاً وهو (السرد النموذج)، ولعلنا نشبهه بما سماه الإنشائيون (أسلوب الخطاب المباشر) وهو بمعنى أدق -كما يقول (تودوروف)- ذلك الأسلوب الذي لا يطرأ على الخطاب فيه أية تعديلات، ويلحظ كثيراً في اقتباس أقوال الآخرين، عندما يُؤتى بها على سبيل الاستشهاد، أو إثبات الحدث، كما نجد فيه تداخل الأصوات، وتنوع الملفوظات، وتعددها في خطاب الحكاية. ومن الأنواع أيضاً: (السرد الضمني)، ونعني به السرد الذي يأتي ضمناً في أثناء الكلام، وتكون شخصية السارد الأصلي فيه أشبه بمدير الندوة، أو رئيس الجلسة في المؤتمرات والملتقيات، وذلك حين يستعرض المداخلات والمناقشات من الجمهور، وعادة ما يكون هذا السرد محدوداً لا يتعدى الأُطر التي رسمها السارد الأصلي، فما إن يعرض سرداً آخرَ لشخصية أخرى حتى يعود إلى نسقه الرئيس الذي كان عليه في سرده الأصلي، فهو سرد ضمني، أي يقع ضمن السياق. ومن الأنواع أيضاً: (السرد المضمر)، وهو الذي يُروى بصيغة الغائب، وتنقله شخصية أخرى بطريقة التحوير، فهو «يرجع إلى قائل واحد هو الراوي، يقول ما قالته الشخصية بلسانه، فلا تحدث قطيعة تلفظية بين تلفظ الراوي، وتلفظ الشخصية»، وهذا ما يعرف لدى الإنشائيين بأسلوب الخطاب غير المباشر. ومن الأنواع أيضاً (السرد المطمور)، ونعني به ذلك السرد الذي يتجاوزه مؤلفه، ولا يحرص عليه، وإنما يكتفي بالإشارة إليه دون عرضه، فهو سرد يقف على أشياء كثيرة لم نلمسها حقيقة في كلام الشخصية المروي عنها، بل إنها تعرض لنا جملة من الأوصاف، والأعمال.