ثمة علاقة شائعة ومعروفة في السرديات والأخبار العربية القديمة تمنح النص استقلالا شكليا، فالراوي المفارق لمرويه يتحول إلى مسافة فاصلة بينه وبين مروياته، فلا يتدخل في انظمتها السردية والدلالية؛ لأنه ينسبها الى غيره، وذلك يبعده عن تأويلات لاحقة، وبهذا ينغلق النص على نفسه، ويكشف عن ثراء الشبكة الداخلية التي تكون نسيجه، ومن بين هذه المكونات تظهر الشخصيات بوصفها فواعل ترسل وتتلقى وتتعاقب ثنائية الارسال والتلقي (وفقا لتبادل الادوار التي تقوم بها الشخصيات )، وكل مرسل لا بد ان يكون قد خضع لوصفية التلقي قبل ان يمارس الارسال: "يحكى أن" - هنا تكون علاقة المرسل "الراوي" والمتلقي "المروي له" داخل النص شديدة الشبه بين الكاتب والقارئ خارج النص. فالراوي يرسل في اطار سياق له شفراته الخاصة، في حين يقوم المتلقي بالاستقبال وفق سياق مختلف له شفرات مغايرة، وهذه المفارقة المقصودة من قبل المرسل "الراوي" يراد بها فضح التواطؤ القائم في العالم الذي يعيش فيه المرسل والمتلقي "المروي له"، ولعل الاشارة الى اعطاء الدرجة نفسها من الاهمية للمروي عليه التي هي للراوي، تقودنا للنظر الى النص على انه بناء مغلق على الراوي والمروي عليه، فوجودهما تام في النص وليس خارجه؛ إذ هما شخصيتان "داخل نصيه" يجب تناولهما بحذر حتى لا يختلطا مع غيرهما، فنحن لا نخلط بين المؤلف والراوي "السارد"، وعلينا ان لا نخلط بين المروي عليه والقارئ الضمني وأي قارئ آخر. فإذا كان الراوي او السارد هو الذي يروي، فإن المروي له هو الشخص الذي يوجه له السرد داخل النص. إذا نحن امام راو ومروي له داخل العمل السردي، وإن كنا لمسنا في النقد الحديث خلطا بين المروي له من جهة، وبين القارئ الضمني "المتخيل" من جهة اخرى، وهذا الخلط، كان كما اظهرت الدراسات لدي رولان بارت وتودروف وغرياس وجيرار جينيت، وان كان للأخير الفضل في طرح مصطلح "المروي له" قبل ان يتناوله جيرالد برنس بتوسع، ليشاع المصطلح في دراساته التي نشرها بين 1971 - 1973م خاصة دراسته الموسومة: "مقدمة لدراسة المروي له في السرد". ويقول بارت في دراسة نقدية له عام 1966م عن آلية التواصل السردي: نعرف انه يفترض داخل التواصل اللغوي كل من ضمير المتكلم "انا" وضمير المخاطب "انت" من طرف بعضهما وبشكل مطلق، ولا يمكن بالطريقة ذاتها أن يوجد محكي دون سارد ودون مخاطب منصب "او مستمع او قارئ". وفي هذا السياق يقول تودروف: "ان الادبي هو خطاب في الآن نفسه، اذ يوجد سارد يروي وفي مواجهته قارئ يتقبل ويهتدي". ومن خلال رؤيتنا للدراسات التي تناولت المروي له، خاصة ما طرحه جيرالد بيرنس، وسيمور جاتمن، واتن لينتفلت، وجيرار جينيت في تصحيحه لخلطه وذلك في كتابه (عودة الى خطاب الحكاية)، وجدنا ان هذه الدراسات تقوم على اعتبار المروي له جزءا عضويا من النص السردي ذاته، وهو هنا يختلف عن القارئ الحقيقي الذي هو شخص يتناول العمل القصصي متى شاء، ويختلف عن القارئ الضمني الذي هو كائن خيالي يولد لحظة كتابه النص السردي فقط.