بنى المؤلف كتابه على طريقة السرد، يسرد أحوال حياة الناس الأولى، أو الأخرى، متخيلا المشاهد القديمة، ثم يقدمها عن طريق عرضها بصورة حكاية، كحكاية جلب الماء، أو الحطب الذي توقد عليه نار الطبخ، وفي داخل هذا السرد العام - إن صح التعبير- تتناسل حكايات أخرى، بعضها يكون متصلاً تتميماً للسرد الأصلي، وبعضها يكون شاهداً وشرحاً له، وبعضها الآخر يكون استطرادا يقصد منه طرد الملل، والسأم عن الشاب الذي تقص عليه هذه الحكايات. وقد بني السرد في إطاره العام على «راوي» هو الصوت الأول، ويمكن القول إنه صوت المؤلف، ومتلقي أولي «مفترض» أو «متخيل» من قبل الراوي، وهو الذي صنع الخطاب من أجله، وصيغ على مستواه الإدراكي والمعرفي. وهذا المتلقي المتخيل قام بدور كبير باختيار الحكايات التي تقدم، وطريقة عرضها، والمستوى الذي تقدم له، حيث يراد أن يناسب الكتاب هذه الشريحة من الناس، ويفي ببعض احتياجهم، وهنا لا نستطيع أن ننفي وجوده الحقيقي في النص مساهماً في صناعته بالإضافة إلى وجوده بوصفه شخصية يصف أحوالها، ورغباتها، وطبيعتها. وهنا نجد أن النص في إطاره العام يتكون من ثلاث شخصيات: الشيخ الراوي، والشاب المروي له المعاصر، ونظيره الشاب القديم، وهنا لا بد أن نعتمد مقولة جيرار جنت في التفريق بين الصوت والصيغة، ونقول بأننا هنا نتحدث عن الصيغة ولا نتحدث عن الصوت. بالإضافة إلى الشخصيات الأخرى التي تمتلئ بها السرود الداخلية، التي يتولى بعضها السرد. لكنني هنا سأعنى بالسارد الرئيس، وهو «الشيخ» الذي يتولى الحكاية، وقد بدا الشيب به كما يتحدث عن نفسه. وقد يبدو للوهلة الأولى أن هذا هو المؤلف، بيد أن العادة في النصوص السردية، جرت أن يفصل السارد عن المؤلف بناء على أن السارد هو مكون نصي، يكون حاضرا في القصة له موقف من الأحداث، قد يكون عالما بكل شيء، وقد لا يكون كذلك، فيكون السرد برانيا، وأيا ما يكن فإن السارد يختلف عن المؤلف، وصورة الشخص الذي يأتي في النص الروائي يعتبر هو صورته في الحياة، في حين يمكن أن يكون هناك تناقض في بناء السرد، وتكوينه. ونحن نستطيع أن نجد المعالم الفاصلة في الكتاب بين السارد والمؤلف، وذلك من خلال البحث عن حقيقة وجود شخصية «الشاب» المخاطب، فالحديث عنه- كما سبق القول- يبدو أنه من خلال ما استقر في وعيه عن الشاب، الأمر الذي يجعله شخصية متخيلة، صنعها الكاتب ليقدم ما لديه من حكايات وقصص ومعارف، وبما أنها شخصية متخيلة، فهذا يعني أن علاقة الكاتب بها كعلاقة المؤلف بشخصيات عمله السردي، بما في ذلك علاقته براوي الحكاية الذي يصبح ساردا عندها. وهنا نستطيع أن ننظر إلى موقف السارد من «الشاب» كما ننظر إلى موقف السارد في العمل السردي من شخصياته، ونقيس ما تحدث عنه «ميخائيل باختين» قدرة النص على الحوارية، وتقديم الأصوات، كما نحسب المسافة بين «السارد» والشاب المراهق على وجه الخصوص تلك الحالة التي سبق وأن تكلمنا عنها من قبل حين قلنا إن «الشيخ» السارد لم يكن منصفا في موقفه من الشاب، وأن صورته لديه لم تكن موضوعية، وأرجعناها إلى صراع الأجيال. على أننا لا نستطيع أن نجعل القص يسير على منهج واحد في التبئير، فالفصل بين «السارد» الشيخ، وشخصيات القصة ليس يسيرا، إذ إنه يحكي أحيانا قصة من القصص ينسبها إلى نفسه يوم كان شابا في عمر المخاطب (كحكاية كرة القدم)، الأمر الذي يجعله شخصية من شخصيات الحكي، أو ينسبها إلى جد الشاب المخاطب، (كحكاية الماء الذي أراد أن يشربه بعد الطعام)، بل إنه لا ينكر أنه يستبطن «الشاب» المعاصر أيضا، فيدرك ما يدور في داخله، الأمر الذي يعني أن حضور السارد في الشخصيات أمرا واضحا، فإذا قلنا إن السارد واحد، وهو الشيخ، لزم من ذلك أنه يتلبس حالات مختلفة، مرة يكون فيها شابا مراهقا، ومرة يكون شيخا كبيرا، وثالثة يكون رجلا مكتمل النمو، ومرة يستعمل ضمير المتكلم، وأخرى ضمير الغائب. وقد يعد هذا من قبيل من تعدد السارد الذي أشير إليه من قبل، إلا أن الصلة الوثيقة بين السارد الشيخ، وهذه الشخصيات تجعلنا نميل إلى أنه شخصية واحدة تتقلب بين هذه الحالات المختلفة، الذي يعني أن الأصل واحد تشرف على زمن القص من أوله إلى آخره، وتستشرف المستقبل أيضا، وهو ما يجعل هذه الشخصية خارج إطار الشخصية الإنسانية لأن تمثل دور التاريخ الذي يحكي ما مر به الناس من حالات مختلفة، عاشوا بين ازدهار وانحطاط، ويدعو إلى العظة، والادكار.