يُعد "الحنيذ" من أهم الأطباق التقليدية الشهيرة التي عرفت في الجزيرة العربية منذ القدم، فهو يُمثل جزءًا من التراث الغذائي الذي توارثته الأجيال عبر العصور. ويتميز "الحنيذ" بتحضيره وتقديمه بالطرق التقليدية المتنوعة، وبالأساليب الطبيعية التي تمنح اللحم نكهة مميزة، حيث يُعد جزءًا رئيسيًا من مائدة المناسبات والضيافات في المناطق الجنوبية ومنطقة عسير بصفة خاصة. واشتهرت محافظة "محايل عسير" بتقديم هذه الوجبة الشهية، وطورت من طريقة تقديمها الشعبية البسيطة، لتصبح علامات تجارية محلية، تتنافس في الجودة والخدمات المضافة، يقوم على إعدادها طهاة من أبناء منطقة عسير، حيث تجهز وجبات "الحنيذ" يوميًا على مرحلتين، تبدأ في ساعات الظهيرة -قرابة الساعة 11ص- ليواكب وجبة الغداء، ثم يتوالى التجهيز بحسب مدى الحاجة والإقبال، حتى الساعة التاسعة مساءً. ويصف أحد المتخصصين في تقديم "الحنيذ" في محايل عسير - وائل عسيري - خلال حديثه لهيئة وكالة الأنباء السعودية " واس " طريقة تجهيز "الحنيذ"، حيث يبدأ الطاهي بتجهيز اللحم وتجفيفه لفترة من الزمن، ثم يضيف في بعض الأحيان بعض التتبيلات الخاصة والبسيطة التي تضفي طعمًا لذيذًا للحم، والبعض يفضل تقديمه خاليًا من أي إضافات أخرى. بعد ذلك يبدأ بتحضير الحفرة، وإشعال النار فيها، ومن ثم تنشر عيدان جافة من شجرة "السلع" كطبقة أولى فوق الجمر ثم يوزع اللحم فوقه ، الأكبر فالأكبر ويتخلله أغصان جافة من أغصان "المرخ" الجاف التي تفصل بين الطبقات، ثم تُغلق الحفرة بإحكام لضمان توزيع الحرارة بالتساوي. ويُترك على نار هادئة حتى ينضج ببطء، مما يضمن طراوته ونكهته اللذيذة، وتتراوح مدة الطهي حسب مكان الطهي ونوع اللحم من ساعتين إلى ثلاث ساعات تقريبًا. وتُستخدم في إعداد "الحنيذ" أدوات تقليدية، مثل الحفرة أو التنور التي تلهب بالحطب حتى يشتعل الجمر. ثم يغطى بأغصان السلع -وهو نوع من أنواع النباتات المنتشرة في السهول التهامية التي تُضفي نكهة خاصة خلال إعداد الحنيذ- ويضاف لها أشجار المرخ التي تسهم في حفظ رطوبة اللحم ومنحه طعمًا فريدًا. ويشتهر "الحنيذ" في المناطق الجنوبية، خاصة في محافظة محايل عسير، إذ يُعد رمزًا للكرم وحسن الضيافة. ويتم تقديمه في الولائم، والأعراس، ويُعد طهيه مهارة متوارثة، مما يجعله مرتبطًا بالهوية الثقافية للمنطقة. في المقابل، تتنافس بعض المطاعم في تقديم "المندي" الذي اشتهرت كذلك محافظة محايل عسير بنكهتها الخاصة، إذ يعد في حفرة عميقة وتعلق اللحوم في أسياخ حديدية متدلية تخرج عصارتها على قدر كبير من الأرز يطهى في ذات الحفرة، وتستمر قرابة الساعة من الزمن. واعتاد عشاق "الحنيذ" تناول الوجبة مع مجموعة من الأطباق الجانبية التي تكتمل بها المائدة، حيث تضفي نكهات متنوعة من الأطباق الشائعة المعروفة في المناطق الجنوبية مثل: العسل البلدي والأرز بأنواعه المختلفة، ويعد طبقًا أساسيًا يتماشى مع نكهة اللحم الحنيذ، إلى جانب المأكولات الشعبية الأخرى (كالعريكة والمرسة والحلبة) ، ومخبوزات البر والخمير والذرة واللحوح، إضافة إلى السلطات البسيطة مثل (السلطة الخضراء، أو سلطة الطماطم، والخيار باللبن، والإيدامات بأنواعها المختلفة، وزيت السمسم "السليط". ويوفر لحم الحنيذ سواء كان من لحم الضأن أو الماعز أو الإبل قيمة غذائية هامة؛ فهو يوفر العديد من العناصر الغذائية المفيدة مثل البروتين والدهون المشبعة التي توفر الطاقة للإنسان والفيتامينات والمعادن. وتجربة "الحنيذ" تجربة ثقافية تُبرز أصالة المطبخ السعودي وتراثه الغني، حيث يحافظ أهالي المناطق الجنوبية على هذا الإرث من خلال تناقله بين الأجيال، مما يجعله جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية ومناسباتهم.