في عصر تتداخل فيه التقنية مع حياتنا اليومية، أضحت شبكات التواصل الاجتماعي ساحة تعكس أفضل وأسوأ جوانب الإنسان. تعمل هذه المنصات كسلاح ذي حدين؛ فهي تُسهم في رفع الوعي وتفعيل التغيير الإيجابي، لكنها في الوقت ذاته تروج للمعلومات المضللة وتغذي ظواهر سلبية. تُعتبر ظاهرة القطيع في هذا السياق تهديداً جدياً للأفراد، تؤدي إلى تبني آراء وسلوكيات نحو الانصياع الجماعي قد يسفر عن فقدان الهوية الفردية، مما يضعف استقلالية الأفراد ويقلل من التنوع الفكري ويتبنون آراء يُعرضهم للتأثيرات الخارجية. على مستوى الجماعات، قد تُسبب هذه الظاهرة الانقسامات الاجتماعية عندما تتبنى مجموعات معينة آراء متشددة أو متطرفة، فإن ذلك يمكن أن يثير صراعات تؤثر سلبًا على التماسك الاجتماعي. تلعب الخوارزميات دورًا محوريًا في حشد القطيع، حيث تُبرز بكثافة المحتوى الذي يتفاعل معه المستخدمون، مما يؤدي إلى تضخيم الآراء السائدة وتجاهل الأصوات الأقل شهرة، كما تساهم هذه الخوارزميات أيضًا في إنشاء "فقاعات معلومات" تقتصر على وجهات النظر المتداولة، يزيد من انغلاق الأفراد على آرائهم، فيعيق التفكير النقدي. تُعزز شبكات التواصل الاجتماعي هذه الظاهرة من خلال الضغط الاجتماعي، حينها يشعر الأفراد بالحاجة إلى تقليد السلوكيات الشائعة والانجراف نحو المواضيع الرائجة، مثل: (الترندات والهاشتاغات)، دون التفكير في محتواها أو مغزاها العميق. غالبًا ما تؤدي الحملات على هذه المنصات إلى حشد جماهيري كبير، أحيانًا دون فهم كامل للأهداف أو العواقب المترتبة عليها. هذا التأثير يمكن أن يكون خاصًا على الشباب، حيث يسعى الكثيرون لتقليد ما يرونه لتحقيق القبول الاجتماعي. لا يقتصر هذا التقليد على الآراء فحسب، بل يمتد أيضًا إلى سلوكيات الشراء ببذخ، مثل: السلع والمأكولات والمشروبات والسفريات والمقتنيات غير الضرورية، بهدف التظاهر الزائف بناءً على ما يُعرض من محتوى. وفي النهاية، تؤدي هذه السلوكيات إلى مشاكل وضغط اقتصادي واجتماعي ونفسي على الأفراد والأسر. تظل ظاهرة القطيع تحديًا كبيرًا في عصر شبكات التواصل الاجتماعي، لكن بناء التفكير النقدي يُعد أداة أساسية لمواجهة المعلومات المغلوطة والترويج الزائف. يُمكّن الأفراد التفكير الإيجابي وتحليل المصادر وتقييم المحتوى بشكل موضوعي، كما يطور الوعي بالتحيزات الشخصية ويطور مهارات البحث والتحقق لاتخاذ قرارات مستنيرة والتصدي للتحديات المعلوماتية. يلعب التعليم والإعلام والتوعية دورًا حيويًا في حماية الأفراد والمجتمع من تأثيرات ظاهرة القطيع. يُعزز التعليم التفكير النقدي والوعي الإدراكي، مما يمكّن الأفراد من تقييم المعلومات بشكل مستقل. من ناحية أخرى، يوفر الإعلام المسؤول معلومات دقيقة ويشجع على الحوار المفتوح. من خلال هذه الجهود المشتركة، يمكن بناء مجتمع قوي ومتحد قادر على مقاومة التحديات والحفاظ على الاستقرار المجتمعي والوطني. في الختام، يتطلب التصدي لظاهرة القطيع جهودًا متكاملة تشمل الأفراد، والتعليم، ووسائل الإعلام، ومن خلال تعزيز التفكير النقدي والوعي الجماعي، يمكننا مواجهة التحديات التي تطرأ في عصر المعلومات المتسارعة، مما يساهم في بناء مجتمع أكثر حذراً ووعيًا. محمد بن مساعد العصيمي