تعد الأسرة، منذ الأزل، الحاضن الأول والملاذ الآمن لكل فرد، تُعطي الفرد الشعور بالأمان والانتماء وتغرس فيه القيم منذ الصغر. لكننا اليوم نعيش في عصر التكنولوجيا السريعة، حيث تتزايد التحديات أمام الأسرة لتظل متماسكة. ففي زمن الاتصال والتواصل تواجه الكثير من الأسر أزمة تواصل بين أفرادها تصل في بعض حالاتها إلى التباعد والانقطاع بل للقطيعة. إذ نعيش اليوم في عصر تطغى فيه الخصوصية الفردية والفردانية، عصر أدخل الكثير من التغيرات، خاصة على عادات وتقاليد الأجيال الناشئة، حيث بات الجيل الجديد، جيل "Z"، ينظر إلى الحياة بمنظور يختلف عن الأجيال السابقة. الهواتف الذكية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والإنترنت، جميعها صنعت عالمًا موازيًا يقضي فيه الأبناء ساعات طويلة، وقد أثر ذلك على الترابط الأسري والواجبات المشتركة بين أفراد الأسرة. وفي ظل هذا الانغماس في الأجهزة والشاشات، يُطرح السؤال الصعب: كيف يمكن للأسرة أن تحافظ على روابطها العاطفية ومبادئها؟ علينا بداية أن نعي أن التكنولوجيا صارت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وهذا ما يجعل الأبناء والآباء يقضون ساعات طويلة في العالم الافتراضي، حيث تتكون لديهم شخصيات رقمية تختلف عن شخصياتهم الواقعية. البعض يرى أن هذه الهوة بين الأجيال تزداد بفضل التكنولوجيا، لكن في الواقع، هذا التحدي يمنحنا فرصة لإعادة التفكير في كيفية تعزيز التواصل الأسري من جديد. لابد من الموازنة بين ما هو "افتراضي" وما هو "واقعي"، أما التحدي الأبرز فهو في إيجاد توازن بين الخصوصية التي يبحث عنها الفرد، وبين الروابط الأسرية التي تعزز الاستقرار العاطفي والنفسي؛ فهناك شعور متزايد بين الآباء والأبناء بأن الأسرة لم تعد تجمعهم كما كانت في الماضي، وأن مسؤوليات الحياة اليومية تباعد بين أفرادها. لكن بكل الأحوال لا يمكن أن يستبدل التواصل الحقيقي بالتواصل عبر الشاشات، مهما كانت التقنية جذابة. فالأسرة ليست مجرد واجب أو مسؤولية، بل هي مكان للتفاهم، والحب، والدعم. والعلاقات الأسرية تحتاج إلى أن تُغذى بالحوار والتفاهم المستمر. في النهاية علينا أن نحرص على ألا تدفعنا التكنولوجيا إلى الانعزال عن أقرب الناس إلينا ولنكن واعين أن سرعة الحياة ليست مبررًا للتباعد الأسري. فالعائلة هي أساس السعادة والراحة، مهما كان العالم الافتراضي مليئًا بالجاذبية، وبإمكاننا، مهما كانت انشغالاتنا، أن نحافظ على هذه الروابط، وأن نستثمر في الأسرة كأعظم استثمار نتركه وراءنا.