في تطورات الاقتصاد المحلي، شهد الاقتصاد السعودي تطورات إيجابية ملموسة في الأعوام القليلة الماضية، مع استمرار التحول نحو تنويع القاعدة الاقتصادية، وتعزيز نمو الأنشطة غير النفطية. إذ انعكس ذلك بشكل إيجابي على مستويات التوظيف ومن ثم انخفاض معدلات البطالة؛ وأسهم ذلك في نمو الاستهلاك الخاص. إذ شهدت الأنشطة غير النفطية - بالأسعار الثابتة - نموًا إيجابيًا بلغ في المتوسط نحو 5.8 % في السنوات الثلاث الماضية؛ وذلك نتيجة انتعاش وازدهار القطاعات الواعدة مثل: قطاع السياحة والترفيه، وقطاع النقل والخدمات اللوجستية والقطاع الصناعي، بحسب البيان التمهيدي للميزانية العامة للدولة للعام المالي 2025. ومن الجدير بالذكر، فقد حققت الأنشطة غير النفطية مستوى تاريخياً في عام 2023م عند قيمة 1.7 تريليون ريال، بمساهمة بلغت 50 % من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي. كما أسهمت زيادة مشاركة القطاع الخاص والنمو المستمر في مجموعة من القطاعات الواعدة في تقليل تأثير تقلبات أسواق البترول على الاقتصاد المحلي. معدلات نمو إيجابية وعليه، من المتوقع أن يستمر الاقتصاد السعودي في تحقيق معدلات نمو إيجابية خلال عام 2024 والمدى المتوسط، مدعوماً بالاستهلاك والاستثمار الخاص، مع استمرار الإصلاحات الهيكلية بما فيها تنويع الاقتصاد، وتعزيز الخصخصة، وتحسين بيئة العمل، وتمكين المرأة والشباب، وإصلاح سوق العمل، لتحقيق نمو اقتصادي مستدام. بالإضافة إلى الإستراتيجيات القطاعية والمناطقية المنبثقة من رؤية السعودية 2030، وبناءً على توقعات عام 2024، يتوقع أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نمواً بنسبة 0.8 %، مدعوماً بنمو الأنشطة غير النفطية التي من المتوقع أن تسجل نمواً بنحو 3.7 %، ويعزز ذلك المؤشرات الاقتصادية الإيجابية التي شهدها النصف الأول من العام 2024م خاصة المتعلقة بالاستهلاك والاستثمار الخاص، بالإضافة إلى أنه من المتوقع أن يسهم انخفاض أسعار الفائدة على ارتفاع الطلب وتأثير ذلك إيجاباً على النمو الاقتصادي. نمو الاستهلاك وتشير البيانات إلى استمرار نمو الاستهلاك الخاص في النصف الثاني من عام 2024م، حيث نما بمعدل 2.4 % في النصف الأول من عام 2024، مدفوعاً بمساهمة نشاط تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق، مع تسهيل إجراءات تأشيرة زيارة المملكة، وتوسيع الفئات المؤهلة لها، وانعكاساتها على زيادة أعداد زوار الفعاليات الترفيهية والثقافية والوجهات السياحية. وقد بلغ عدد السياح في المملكة حوالي 60 مليون سائح في النصف الأول من عام 2024م، بنسبة نمو 10 %، مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق، فيما بلغ إجمالي إنفاقهم ما يقارب 150 مليار ريال وفق بيانات وزارة السياحة؛ مما يعزز من مساهمة القطاع السياحي في الاقتصاد الوطني، مع استمرار الجهود المبذولة لتعزيز القطاع، وجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم. كما يتوقع استمرار مساهمة نشاط الصناعات التحويلية في الأنشطة غير النفطية مدعوماً بزيادة عدد المصانع التي بدأت بالإنتاج منذ بداية العام حتى نهاية شهر أبريل 2024م بحوالي 308 مصانع، بإجمالي استثمارات بلغت 5.7 مليارات ريال، وزيادة عدد التراخيص الجديدة بحوالي 410 تراخيص للفترة نفسها. وانعكس ذلك إيجابياً على نمو الصادرات السلعية غير النفطية خلال النصف الأول من العام الحالي حيث سجلت نمواً بمعدل 7.5 % مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق. وعلى جانب التضخم، سجل متوسط الرقم القياسي لأسعار المستهلك ارتفاعاً عند 1.6 % منذ بداية العام حتى شهر أغسطس 2024م مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق. وتشير التوقعات الأولية إلى وصول الرقم القياسي لأسعار المستهلك لعام 2024 كاملاً إلى حوالي 1.7 %، حيث حافظت المملكة على مستويات مقبولة نسبياً مقارنة بالتضخم العالمي بفضل التحسن المستمر في الظروف الاقتصادية للمملكة، إضافة إلى التدابير الاستباقية والسياسات التي اتخذتها الحكومة لاحتواء ارتفاع الأسعار، التي شملت وضع سقف لأسعار البنزين، ورفع مستوى وفرة المخزون الغذائي. من جهة أخرى، حقق الاستثمار الخاص نمواً سنوياً بمعدل 4.5 % في النصف الأول من عام 2024، فيما وصل صافي الاستثمار الأجنبي المباشر خلال النصف الأول من العام 2024 إلى مستوى 21.2 مليار ريال. ومن المتوقع أن يستمر الاستثمار الخاص في تحقيق معدلات نمو إيجابية لعام 2024 والمدى المتوسط، إذ يعد محركًا رئيسًا لتوقعات النمو الإيجابية خلال السنوات المقبلة، ومحوراً مهماً في خطة تنويع موارد اقتصاد المملكة. مؤشرات سوق العمل كما انعكس الأداء الإيجابي الذي شهده الاقتصاد المحلي من خلال الأنشطة غير النفطية على مؤشرات سوق العمل؛ إذ أظهرت بيانات مسح القوى العاملة الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء تراجع معدل البطالة الإجمالي إلى 3.3 % بنهاية الربع الثاني من عام 2024م مقارنة بنحو 4.1 % بالفترة المماثلة من العام السابق. كما انخفض معدل البطالة بين السعوديين إلى أدنى مستوى تاريخي له ليصل إلى 7.1 % في الربع الثاني من العام 2024م مقابل 8.5 % في الفترة المماثلة من العام السابق. وذلك نتيجة جهود حثيثة على مستوى الحكومة أسهمت بوضع المحفزات والممكنات لتشجيع قطاع الأعمال، إضافة إلى تمكين فئات المجتمع من دخول سوق العمل بإتاحة أنماط العمل الجديدة مثل: العمل المرن والعمل عن بعد؛ التي أسهمت في تخفيض نسب البطالة لدى السعوديين. كما شهدت السنوات الماضية ارتفاعاً متواصلاً لمعدلات مشاركة المرأة في سوق العمل، حيث سجل المعدل 35.4 % في الربع الثاني من عام 2024م مقارنة بنحو 19.3 % في الربع الرابع من عام 2016م، مما يعكس الجهود المبذولة خال الفترة الماضية لتمكين المرأة ورفع مساهمتها في الاقتصاد السعودي وتعزيز دورها القيادي. إضافة إلى مبادرات وبرامج وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية التي أسهمت في تذليل العقبات أمام المرأة في سوق العمل. نمو أعداد العاملين كما تشير بيانات إحصاءات السجلات الإدارية إلى نمو أعداد العاملين السعوديين في القطاع الخاص بنهاية الربع الثاني من عام 2024م بنسبة 4.1 % وبحوالي 92 ألف عامل مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق، ليصل الإجمالي إلى 2.318 مليون موظف وموظفة في القطاع الخاص؛ وجاء ذلك إثر العديد من الإصلاحات الاقتصادية والمبادرات التي أدت إلى خلق فرص عمل جديدة في قطاعات متنوعة كالسياحة والترفيه والتكنولوجيا الرقمية. كما أسهمت الحكومة في دعم وتشجيع ريادة الأعمال للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، والعمل على تحفيز القطاعات الناشئة مثل: الطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر. ويتوقع أن يشهد الميزان التجاري للمملكة تحسنًا ملحوظًا؛ نظراً لزيادة الصادرات غير النفطية وتقليل الاعتماد على الواردات، ويأتي هذا التحسن المتوقع في إطار تنفيذ مستمر لمبادرات رؤية السعودية 2030 الهادفة إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز الاستثمارات في القطاعات غير النفطية. كما يتوقع استمرار الأنشطة الاقتصادية غير النفطية في تحقيق معدلات نمو إيجابية خلال عام 2024م وعلى المدى المتوسط؛ مما يعزز استقرار الاقتصاد الوطني، ويسهم في تحقيق الأهداف الاقتصادية الطموحة للمملكة، ويشمل ذلك تعزيز القطاع الصناعي، وتوسيع قاعدة الإنتاج، إضافة إلى زيادة كفاءة القطاع المالي. وتأتي التوقعات الإيجابية للاقتصاد السعودي للعام 2025 م امتداداً للتطورات الإيجابية خلال العام 2024م، ويتوقع في عام 2025م أن يستمر الأداء الإيجابي للناتج المحلي الحقيقي، حيث تشير التقديرات الأولية إلى أنه سيحقق نمواً بنسبة 4.6 %، مدفوعاً بشكل رئيس بنمو الأنشطة غير النفطية، وهذه التوقعات الإيجابية تعكس التزام المملكة بتنفيذ إستراتيجياتها الطموحة، وتحقيق التنمية المستدامة؛ مما يزيد ثقة المستثمرين، ويعزز مكانة الاقتصاد السعودي على الصعيدين الإقليمي والدولي. استمرار التحول نحو تنويع القاعدة الاقتصادية وتعزيز نمو الأنشطة غير النفطية الصناعة الوطنية تستهدف تحقيق عوائد اقتصادية أعلى للمملكة