يعود الفضل الأكبر في الانتصار الكاسح للرئيس دونالد ترمب إلى هلع الناخبين الأميركيين من استمرار غلاء أسعار كل شيء، بدءاً من البنزين والإسكان إلى القهوة والكعك، حتى أن الطبقة المتوسطة في أميركا باتت تشكو مر الشكوى من غلاء المعيشة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن المفارقة الساخرة، هي أن بعض سياسات ترمب الاقتصادية قد تؤدي إلى تسخين التضخم مرة أخرى، وعلى وجه التحديد، فإن سياسات ترمب المقترحة بشأن التعريفات الجمركية والهجرة والضرائب تهدد بزيادة الأسعار أكثر من كبحها. في السنوات الأخيرة، شهد الأمريكيون ارتفاعًا كبيرًا في الأسعار، فقد أدت الفجوة بين الأجور والتضخم إلى إرهاق ممنهج لميزانيات الأسر، وحتى عندما تمكن بنك الاحتياطي الفيدرالي من تقريب التضخم إلى هدفه البالغ 2%، ظلت الأسعار مرتفعة بشكل كبير، متجاوزةً نمو الأجور، وعندما يتجاوز التضخم نمو الأجور، تقل القوة الشرائية للدولار، والواقع، أن الأجور المعدلة حسب التضخم ظلت راكدة على مدار عقود، فعلى سبيل المثال، كان الحد الأدنى للأجور الفيدرالي، الذي تم وضعه عام 1938، وتم تعديله إلى 7.25 دولارات منذ عام 2009، أقل بكثير من معدل التضخم، وهو يساوي الآن أقل من نصف ما كان عليه الحال قبل 50 عامًا، ففي أواخر الستينيات، كان الحد الأدنى للأجور يعادل 14.50 دولارًا في الساعة بعد تعديل التضخم. كان الركود في الأجور عاملاً حاسماً في تحريك مشاعر الناخبين الخائفين من المستقبل، وقد وعدت حملة ترمب باتخاذ إجراءات سريعة لإنهاء "كابوس التضخم"، ومع ذلك، فإن هذه الإجراءات قد يكون لها أضرار جانبية، وتحديداً، فإن ترمب لديه ثلاث سياسات اقتصادية، الأولى: أنه يعتزم زيادة الرسوم الجمركية على السلع المستوردة، وهذه قد تأتي بنتائج عكسية، فلربما تفاقم من أزمة تكاليف المعيشة على المستهلكين، لأن هذه السياسات الحمائية مثل ضرائب المبيعات، والذي يتكبد الفاتورة في النهاية هم المستهلكون، وليس الدول المصدرة للسلع إلى الولاياتالمتحدة، في المقابل، يؤكد مؤيدو ترمب أن هذه الرسوم مجرد أداة ضغط للتفاوض مع الدول الأخرى، وعموماً، فإنه لن يكون هناك فرصة لبزوغ التضخم إذا تمكن ترمب من خفض فاتورة الإنفاق الحكومي. والسياسة الثانية التي تهدد بزيادة التضخم، أن ترمب يعتزم ترحيل 11 مليون مهاجر غير شرعي، وغالبًا ما يتولى هؤلاء أدوارًا يصعب شغلها، مما ينذر بنقص العمالة في صناعات رئيسة مثل الزراعة وإنتاج الأغذية والضيافة وأعمال البناء، وإذا استمرت عمليات الترحيل، فقد يضطر أصحاب العمل إلى رفع الأجور لجذب عمال جدد، مما يؤدي إلى تحميل هذه النفقات الإضافية على جيوب المستهلكين، أما سياسة ترمب الثالثة التي قد تزيد التضخم، فهي تخفيضات الضرائب التي ربما تزيد الطلب بشكل مفرط وترفع الأسعار، وإذا رأى الاحتياطي الفيدرالي أن التضخم يرتفع بسبب سياسات الإدارة الجديدة، فقد يعكس مساره ويزيد أسعار الفائدة، وهذا سيصعب من فرص الأميركيين في تملك المنازل، خاصة عندما يقترن ذلك بنقص عمال البناء، وإذا أخذنا هذه السياسات المقترحة على محمل الجد، فربما تقود إلى تأجيج كابوس التضخم في الولاياتالمتحدة مرة أخرى.