مؤلم حال بعض أصحاب المناصب عندما يتقاعدون فلا يجدون من يسأل عنهم من موظفيهم وزملاء العمل؛ لا شك أنها مأساة أن تخرج من الحياة المهنية بلا زملاء يسألون عنك، خصوصًا أولئك الذين كنت تعتقد أنك المتفضل عليهم في الحضور والانصراف والمهام العبثية التي لا تنتهي، أولئك الذين لم تترك لهم ذكرى يشكرونك عليها، أو معروفًا يردونه لك. وتكتمل فصول المأساة عندما يدخل المتقاعد في دوامة التشكي والنحيب على الوفاء المفقود بين الناس وعلى ضياع العمر معهم، وتتناقل حساباته في السوشال ميديا والأقرباء رواياته وقصائده وحكمه عن الخذلان والجحود الذي وجده من موظفيه، وكيف أنهم ما عادوا يطرقون بابه، ولا عادت رسائلهم ومعايداتهم تلاحقه من تطبيق إلى تطبيق. هذه الفئة كانت تعتقد أن المنصب ملكية شخصية يتفضل بصلاحياتها ويحجبها متى يشاء، حتى غادر المنصب بلا أي أثر أو إضافة لحياة موظفيه المهنية والشخصية، بل غادرهم محبطين، مشوّهين، مترددين لا يعرفون مصطلحات مثل الشغف والطموح والإنجاز، مجرد موظفين اعتادوا الحضور والانصراف والنسخ واللصق. تأمل من حولك وستجد الأمثلة كثيرة؛ ممن لا تزال مجالسهم تعج بأصحاب العمل من الزملاء الذين تحولوا إلى أصدقاء وأبناء رغم مغادرتهم الكرسي، وآخرون انطفأت حياتهم وما عاد أحد يذكرهم، وستعلم أن الباقي الوحيد من هذا كله ليس الكرسي، بل الذكرى والأثر. فكونك مديرًا يعني أكثر من مجرد تحمل المسؤولية أو اتخاذ القرارات والأمر والنهي؛ بل القدرة على التأثير في الآخرين بشكل إيجابي، وإلهامهم لتحقيق أهدافهم وطموحاتهم، وتحفيزهم على تجاوز التحديات؛ لأن القيادة تعني أولاً الفهم العميق للمسؤولية المهنية والأخلاقية تجاه فريقك، وتحقيق النجاح الجماعي وليس الفردي. المدير الناجح ليس فقط من يضع الخطط، بل هو الشخص الذي يعرف كيف يصنع فريقًا قادرًا على تنفيذ تلك الخطط بفعالية واقتناع، وهو الذي يعي أهمية تفويض المهام، وتعزيز الثقة ومنح فرص التطور والترقي، وهو المتفرغ لبناء فريقه وتنميته وحمايته، والقدوة الذي تتحدث أفعاله بصوت أعلى من أقواله. المدير الناجح هو من يظل ثابتًا في وجه الأزمات، ولا تتركه الظروف يتزعزع، بل يبقى مصدر استقرار لفريقه، وهو القادر على رؤية الصورة الكبيرة، وليس ذاك المشغول بالتفاصيل الصغيرة الغارق بالأعمال اليومية التي لا تنتهي. أن تكون مديرًا يعني أن تعرف كيف تدعم وتطور من هم حولك من منطلق إيمانك أن نجاح الفريق هو نجاح لك، وأن زكاة العلم نشره، وأن القيادة ليست مجرد منصب، بل هي رسالة وغرس أنت أول من سيجني ثماره.