أتذكر هذه الكلمات لأحد الأصدقاء الذين قادوا شركات ومنظمات عربية كبرى حيث يقول: "منصب الرئيس التنفيذي هو أكثر موقع يشعر فيه الإنسان بالوحدة والعزلة، فمن الطبيعي أن مجلس إدارتك لا يجاملك وسيكون حازماً معك، وطبيعة عملك تفرض عليك أن تكون قاسياً أحياناً وصارماً مع الموظفين لتحقيق الأهداف المطلوبة منك مهما ترتب على ذلك من فصل وخصم رواتب، ما يعني أن تكون بلا أصدقاء حقيقيين، وينتهي بك الأمر بزمالات رسمية وباردة في الشركة..". مقالة اليوم تناقش حالة المديرين الذين يعانون الوحدة والعزلة.. بداية يجب عليّ التوضيح أن المديرين المقصودين في هذه المقالة ليسوا أولئك الذي يحسبون أنفسهم جالسين في برج عاجي وينظرون لبقية من في المنظمة بازدراء ويحاولون أن يصبغوا على أنفسهم نوعاً من الهيبة والعظمة المزعومة، مثل هذه النوعية مصيرها العزلة فوق الكرسي والازدراء والنسيان بعد الرحيل عن الكرسي.. وفي الوقت نفسه، لا تتناول هذه المقالة المديرين الناجحين والرائعين في عملهم وتعاملهم الراقي مع الجميع ولكنهم يعيشون حياة الوحدة بعد التقاعد أو ترك المنصب وتفرق الجموع من حواليهم بعد انتهاء المصالح والمنافع، مثل هذه الحالات قد تعيش العزلة، ولكن عزاءها أن من بين مئات وآلاف الموظفين والزملاء سيبقى عدد محدود لا يتجاوز أصابع اليدين في وفائه وتواصله وهؤلاء يكفون ويزنون بقيمتهم أولئك الآلاف والمئات من أصحاب المصالح.. مقالة اليوم تطرح وضع تلك النوعية من المديرين والقادة المخلصين، والذين يركزون على العمل والإنجاز دون مجاملات أو محاباة للمعارف والأصحاب حيث العدالة منهجهم وتقديم مصلحة المنظمة وتمكين الزملاء أولويتهم، هذا النوع من المديرين المثاليين يحارب الشللية ولا يرضاها وهو ما قد يسبب نوعاً من العزلة المحمودة نوعاً ما طالما لم تؤثر في كفاءة التواصل بين الإدارة والفريق. وعلى النقيض، فالمديرون الذين يغرقون في تقريب الأصدقاء فقط يرتكبون جريمة كبرى وصفها د. غازي القصيبي في كتابه (حياة في الإدارة) بقوله: "لا شيء يقتل الكفاءة الإدارية مثل تحول الأصحاب (الشلة) إلى زملاء عمل". والسبب وكما يصفه د. غازي أن هذه الدائرة أو الشلة لن تسمح لمن هم خارجها بالدخول أو الاقتراب من حرمها، وستعلن الحرب على كل المبدعين والمنجزين من خارجها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وسيمنعونهم أو يمنعون وصول أفكارهم الجيدة إلى الشخص المسؤول، علاوة على تبادل المصالح فيما بينها. في الواقع، لا يحتاج المدير لأن يكون دائماً ذلك الصديق المرح الضحوك مع فريقه وزملائه، المهم هو أن يكون حريصاً على نجاح عمله وتمكين فريقه وتوفير بيئة آمنة ومحفزة لهم ويقودهم بالعدل والنزاهة. وختاما.. قد تحتم الظروف على المدير أن يشعر بالوحدة والعزلة، ولكن يكفيه أن يصادق ضميره المرتاح وشغفه وحبه للإنجاز والنجاح لنفسه والآخرين، فهذان الصديقان سيظلان معه دائماً حتى بعد أن يغادر المنصب.