في هذه الزاوية سنطوف حول قامات سعودية لم نجد لهم كتباً في المكتبات، ولم توثق تجربتهم. بقي إنتاجهم طي الصحف والمجلات رغم أنهم ساهموا في بدايات الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية من شعر ونثر ورواية، نستذكرهم هنا في كلمات بسيطة لا توفيهم حقهم، نلقي الضوء عليهم، ومن هنا نضع أسماء من تجود الذاكرة باستدعائه علّ يكون هناك من يلم شتات أعمالهم ويجمعها تثميناً لما قاموا به من جهد على امتداد عقود. صالح العزاز الراحل صالح العزاز (1959-2002) عاش حياة تضج بالروح والإبداع، أشبه بلوحة «المستحيل الأزرق» التي كتب عنها كثيراً وتناقلتها الألسن كأنها أسطورة بصرية لا تليق إلا به. نشأ العزاز على حب الصحافة واستحوذت عليه عوالمها منذ الصغر، لكن التصوير الفوتوغرافي كان ملاذه الحقيقي، حيث وجد فيه وسيلة فريدة للتعبير عن الحياة بصمت ساحر. كان يقول: «وجدت في التصوير القدرة على التمتع بجماليات الحياة دون ضوضاء، فاللقطة تتشابك مع المجتمع ببساطة وصدق، بخلاف النص المكتوب». بكاميرته، التي كانت امتداداً لروحه، التقط صوراً خالدة اجتذبت عشاق الفن البصري. وفي عام 1996، نظم معرضه الأول، الذي فتح له الأبواب للمشاركة في مسابقة عالمية نظمها اتحاد المصورين في الصين عام 1997، حيث فاز بالمركز الثاني ونال الميدالية الفضية، بل وتجاوز أثره عالم التصوير ليصل إلى الأدب؛ إذ اختار الروائي الدكتور تركي الحمد إحدى صوره لتزين غلاف روايته العدامة من ثلاثية «أطياف الأزقة المهجورة». لم يكن العزاز كاتباً متصنعاً ولا مشاكساً، بل عاش الحياة وأحبها بعمق وتواصل مع نفسه بروح صافية، ظل هاجسه الدائم هو العطاء، واستطاع أن يترك بصمة مميزة في عالم الإعلام والصحافة، ليصبح رمزاً ملهمًا وأيقونة للجمال والصدق الفني. الروائي التونسي حسونة المصباحي، أحد أصدقائه المقربين، وصفه قائلاً: «عرفت صالح العزاز من خلال صوره، التي بدت لي كأنها تضاريس روحه، عندما التقيته لأول مرة في لندن، تمنيت أن يكون صديقاً لي. وبالرغم من أن لقاءاتنا كانت قليلة ومقتضبة، فقد كانت صداقتنا عميقة، كنت أحبه أكثر حين يوقظني في آخر الليل ليتحدث عن كتاب جديد انتهى من قراءته، أو شاعر أسره بقصائده، أو فيلم رأى فيه جزءاً من ذاته، أو رسام يود لقاءه. كانت حياة صالح مهرجاناً متواصلاً من الفن والشعر والمحبة». رحل صالح العزاز بعد صراع طويل مع الألم بين تكساس الأميركية والرياض، تاركاً وراءه حضوراً صاخباً يليق بلقب المستحيل الأزرق، العمل الذي أطلقه قبل عامين من وفاته، والذي بقي شاهداً على روحه التي أثرت في كل من عرفه أو سمع عنه. حسين الحربي