مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية، تترقب الأسواق العالمية أسبوع الحسم بقلق بالغ، فالأسباب التي تدعو للتوتر والحذر مكتملة الأركان، خاصة وأن فرسي الرهان، ترمب وهاريس، قد طرحا بالفعل رؤى مختلفة جذرياً حول مستقبل الاقتصاد الأميركي، وهي خطط سيترتب عليها عواقب اقتصادية كبرى على مستوى العالم، وتتزامن الانتخابات الأميركية مع زيادة التوترات مع الصين، واستمرار الغزو الروسي لأوكرانيا، وتصاعد الأزمات في الشرق الأوسط، وارتفاع سعر الذهب عند مستويات قياسية، وهو مؤشرات تخلق مناخًا من عدم اليقين والتذبذب في الأسواق، ولعله من المفيد، أن نعود بالوراء إلى التاريخ الاقتصادي الذي يروي لنا قصة مثيرة للاهتمام، وربما مفاجئة. غالبًا ما يتم تبسيط الجوانب الاقتصادية للأحزاب السياسية في الولاياتالمتحدة، حيث يُنظَر إلى الديمقراطيين باعتبارهم حزب الإنفاق الحكومي الاستباقي، الذي يفضل سياسات إعادة توزيع الثروة من خلال الضرائب، في المقابل، يصنف الجمهوريون باعتبارهم حزباً صديقاً للأعمال التجارية، ومع ذلك، تشير دراسة حديثة أجرتها جامعة شيكاغو، إلى أن الواقع أكثر تعقيداً، وفقًا للدراسة، التي غطت الفترة من 1927 إلى 2015، فقد كان أداء الاقتصاد الأميركي وأسواق الأسهم أفضل بشكل عام خلال فترات الرؤساء الديمقراطيين، الذين زادوا الإنفاق الحكومي بشكل غير مسبوق، بينما سعى الجمهوريون إلى خفض الضرائب بكل الوسائل الممكنة. تاريخياً، شهد الاقتصاد الأمريكي نموًا أعلى في عهد الرؤساء الديمقراطيين مقارنة بالجمهوريين، ففي المتوسط، بلغ النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي 4.8٪ في عهد الديمقراطيين و1.7٪ في عهد الجمهوريين، بينما كانت علاوة المخاطرة في سوق الأسهم أعلى بنسبة 10.9٪ في عهد الديمقراطيين مقارنة بالجمهوريين، وهذا يعني أن المستثمرين كانوا أكثر رغبة في تحمل المخاطر واستثمار أموالهم في سوق الأسهم عندما كان الديمقراطيون في مناصب السلطة، وعندما يكون الاقتصاد ضعيفًا وأسعار الأسهم منخفضة، يصبح الناخبون أكثر عزوفًا عن المخاطرة، مما يجعل الناخبين يفضلون سياسات إعادة توزيع الثروة، والدليل على ذلك، ما حدث خلال آخر ثلاث عمليات انتقال سياسي من الرئاسة الجمهورية، إلى الرئاسة الديمقراطية، فقد انتُخِب بِل كلينتون بعد فترة وجيزة من الركود مطلع التسعينيات، وانتُخِب باراك أوباما في ذروة الأزمة المالية العالمية، وانتُخِب جو بايدن أثناء جائحة كورونا. عندما يُنتخب رئيس ديمقراطي، يميل الناس إلى أن يكونوا أقل استعدادًا للمخاطرة، وهذا يؤثر على بقية أسواق الأسهم حول العالم، لأن معظم الاقتصادات الأخرى مترابطة بقوة مع الاقتصاد الأميركي، وعلينا أن نتخيل أسواق الأسهم العالمية مثل سفينة شراعية عملاقة، وعندما يتم انتخاب رئيس ديمقراطي، فإنه يشبه وضع المزيد من الأشرعة، وهذا يجعل السفينة تتأرجح وتتحرك مع الرياح بشكل أقل، مما يجعلها أقل عرضة للمخاطرة، بينما تتأثر جميع السفن المحيطة بهذه السفينة العملاقة، مما يؤدي إلى إبطاء إبحارها أيضًا، ومع ذلك، من المستبعد أن يؤدي فوز الديمقراطيين إلى انتعاش سوق الأسهم لسببين: الأول أن فوزهم سيكون بمثابة استمرارية، وليس انتقالاً من رئيس جمهوري، ولن يمثل هذا الفوز تغييراً في السياسات المتحفظة التي يفضلها الناخبون في التعامل مع المخاطر، والثاني أن الاقتصاد الأميركي مزدهر منذ نهاية الجائحة، في المقابل، قد يؤدي فوز الجمهوريين إلى زيادة عوائد الأسهم بنحو 2%، وهذا يرجع إلى حقيقة أن معظم مديري صناديق الأسهم يدعمون المرشحين الجمهوريين، وبالتالي، فإن فوز مرشحهم المفضل يعزز أسعار الأسهم، حيث يضمحل القلق بشأن التدخل الحكومي في القطاع الخاص.