أبلغني صديق أنه يسكن في بيت دور أرضي عمره يتجاوز ال15 عاماً، وأنه بدأ الإيجار بقيمة 45 ألف ريال سنوياً، ثم ارتفع إلى 52 ألف ريال سنوياً في ثلاث سنوات، وفي السنة الماضية تحديداً ارتفع إلى 55 ألف ريال سنوياً، لكن الغريب واللافت والخطير أنه تم إبلاغه أنه منذ العقد المقبل سيكون إيجاره سنوياً 100 ألف ريال، بمعدل 100 % خلال ثلاث سنوات فقط، وحين سمعت هذه الرواية منه استغربت وشعرت أن هناك شيئاً خطأً، ثم بدأت بالاستفسار والتقصي لأجد أن معدل ارتفاع قيمة الإيجارات السنوية آخذة في التصاعد بمعدلات تصل في بعض الأحيان إلى 200 %، وأن الأمر لم يقتصر على الأدوار الأرضية أو العلوية، بل وصل إلى الشقق متوسطة وصغيرة الحجم، وأن الشقة التي لا تتجاوز مساحتها 120م2 طابق ثانٍ دون مصعد أو مواقف سيارات وصل إيجارها السنوي إلى 60 ألف ريال. حقيقة الأمر ليس في قيمة أو معدل الارتفاع نفسه، بل في عدم وجود سياسة ونظام يضبط هذه العملية، ويحدد معدلات الارتفاع وأوقاتها، وإن الأمر كله مرتبط بما يريد المالك المؤجر، وإن سياسة العرض والطلب ليست هي المتحكم أو المؤثر الرئيس، بل سياسة العرض المتفق عليها بين الملاك المؤجرين هي من تتحكم بذلك، فحين يتفقون على رفع الإيجارات فإن المستأجرين ليس عليهم إلا القبول قهراً، ولكي تتم المحاصرة فإن الرفع يشمل كل عقار، حتى وصل الأمر إلى أن غرفة سائق كانت تؤجر ب3 آلاف أو 4 آلاف، أصبحت تؤجر ب15 ألف ريال، الأمر غير معقول أبداً، وله مخاطره الكبيرة إن لم يتم الضبط والتنظيم لها. لا نريد أن نتأثر بعوامل التضخم، لا نريد أن تكون الإيجارات والسكن بشكل عام أمراً مرعباً سواء للمواطن أو المقيم، نحن أصبحنا بلداً منفتحاً يعتمد على اقتصاديات غير نفطية، فعاليات ومواسم وترفيه وسياحة ورياضة، وكل ما يتأثر به المقيم فإنه ينعكس أيضاً على المواطن، صديقي الذي أصبح إيجاره 100 ألف ريال، يسكن في عمارة ومعه ثلاثة مستأجرين، كل في شقة، وتم رفع الإيجار عليهم أيضاً، ولعلها بمعدلات أقل، ولكنها سترتفع بحيث نعود إلى فقدان جودة السكن، وانتشار العشوائيات، وتمركز السكن في مناطق محددة في المدن الرئيسة، ولا أعلم حقيقة ماهية الإيجارات في المدن الأخرى، لكن في الرياض وبهذا التمدد العمراني الجغرافي، فإن تمركز المستأجرين في مناطق محددة أمر ليس حيوياً ولا يخدم نمو المدينة وانتشارها وتطورها. نحتاج حقيقة إلى وقفة مع الذات، وقفة وطنية، نحتاج من الجهات المعنية من وزارة البلديات والإسكان والتجارة وهيئة العقار، أن تتدخل في هذا الأمر، لتضع تشريعاً وتنظيماً واضحاً محدداً يضمن معه مشاريع الاستثمار العقاري، ويضمن أن تكون أسعار الإيجارات معقولة بحيث يتمكن الجميع أن يسكن ويعمل ويقدم دوره في نمو الاقتصاد بشكل عام، خاصة أن هناك أيضاً جوانب أمنية، تشمل أن بعض العقارات ذات الإيجارات المرتفعة غير المنطقية قد يسكنها مجموعات وليس عائلة، وهذه نقطة مهمة جداً للغاية. إن الأمر يحتاج إلى تدخل وتدخل سريع جداً، لا يمكن أن يكون الأمر على الأمزجة أو استغلال الأوضاع، موسم الرياض مهم وحيوي، ولا يمكن أن تكون الاستفادة منه بطريقة رفع الإيجارات وتغير الخارطة التوزيعية للسكان، لا نريد أن نصبح مثل بعض مدن المنطقة التي فيها الإيجارات مرتفعة جداً بشكل غير منطقي، ونريد بنفس الوقت الاستمرار بتغذية وتنمية الاستثمار العقاري، لكن هكذا معدلات ارتفاع فإن الأمر أصبح مؤشراً خطيراً لا بد من معالجته بشكل سريع وإيجابي.