التاريخ يشهد للمملكة العربية السعودية أنها تعاملت باحترافية سياسية عالية مع جميع الرؤساء الأميركيين، سواءً كان انتماؤهم للحزب الديمقراطي أو للحزب الجمهوري، وكذلك تعامل الرؤساء الأميركيون باحترافية سياسية عالية مع المملكة العربية السعودية، وباحترامهم العمل المؤسساتي الذي قامت عليه العلاقات بين الدولتين قبل مئة عام.. نعم، كما يحدث في وقتنا الحاضر مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية في ال 5 من نوفمبر 2024م، حدث في السنوات والعقود الماضية مع اقتراب كل موعد للانتخابات الأميركية، يتجدد طرح التساؤلات حول مُستقبل العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدة الأميركية، وهذه التساؤلات المُتجددة التي تطرح تتعدد بحسب التوجهات الفكرية والأيديولوجية، وتتنوع بحسب المواقف السياسية تجاه البلدين، وتختلف بحسب المصالح والمنافع المُبتغاة من وراء هاتين الدولتين الكبيرتين. وإذا كان طرح مثل هذه التساؤلات المُتعددة والمتنوعة والمختلفة تعتبر مسألة مشروعة ومتاحة بغض النظر عمن يطرحها ويعرضها، فإنها من جهة أخرى تعبر عن جانبين غاية في الأهمية، والمتمثلان بالآتي: أولاً: أن طرح هذه التساؤلات يعكس بشكل مُباشر ما يتم طرحه وتداوله -في الحملات الانتخابية للمرشحين لمنصب الرئاسة الاميركية- حول مستقبل العلاقات الأميركية مع المملكة العربية السعودية، وماهية السياسة الخارجية التي سوف يتبناها في تعامله مع المملكة العربية السعودية، وخاصة في مجال الطاقة وإنتاجها وتصديرها؛ وثانياً: أن طرح هذه التساؤلات يعبر بشكل مُباشر عن مكانة المملكة في السياسة الدولية ومدى قوة تأثيرها في حركتها وتفاعلاتها على جميع المستويات الدولية وفي معظم المجالات الرئيسة للمجتمعات والدول. وإذا كانت هذه التساؤلات تتعدد وتتنوع وتختلف حتى تصبح غير قابلة للحصر، فإن هناك عددا محددا من التساؤلات العامة والرئيسة يتجدد مع كل انتخابات رئاسية أميركية، وهي التي تعتبر الأكثر أهمية، والتي تتمثل في التساؤلات الآتية: هل ستؤثر نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية في ال 5 من نوفمبر 2024م على مستقبل العلاقات السعودية - الأميركية سواءً كان الرئيس القادم من الحزب الديمقراطي أم من الحزب الجمهوري؟، وهل ستتغير السياسة الخارجية الأميركية تجاه المملكة العربية السعودية بناءً على الانتماء الحزبي للرئيس القادم؟ وهل ستؤثر نتيجة الانتخابات الأميركية على حجم التعاون بين المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدة الأميركية وخاصة في المجالات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والتنموية والصناعية والتقنية والطاقة، وفي قطاع الخدمات بشكل عام؟ نعم، إنها تساؤلات تتجدد وتتكرر مع كل انتخابات رئاسية أميركية، إلا أنها تساؤلات غاية في الأهمية للرأي العام الإقليمي والدولي، كما هي مهمة للشعبين في المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدة الأميركية اللذين يرتبطان بصداقة متينة يمتد عمرها لقرابة المئة عام. نعم، إن الحديث عن مستقبل العلاقات السعودية - الأميركية تجيب عليه مئة عام من العلاقات التاريخية بين البلدين الصديقين التي ابتدأت باتفاقية الامتياز للتنقيب عن البترول التي وقعت في مايو 1933م بين حكومة المملكة العربية السعودية وشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا. ومن تلك البدايات البنَّاءة في المجالات التنموية والاقتصادية، تطورت وتعززت وتقدمت العلاقات بين البلدين الصديقين على جميع المستويات وفي كل المجالات، وخاصة في المجالات السياسية والدبلوماسية التي توجها اللقاء التاريخي بين الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه-، والرئيس فرانكلين روزفلت، الذي عقد في فبراير 1945م على متن الطراد الأميركي يو إس إس كوينسي في البحيرة المرة الكبرى بقناة السويس، وإذا كان هذا اللقاء التاريخي بين القيادتين السياسيتين أثبت قوة ومتانة العلاقات الثنائية بين البلدين، فإنه مثَّلَ البداية الفعلية لتعزيز وتعميق العلاقات بين الدولتين على جميع المستويات وفي كل المجالات، حيث أثمرت هذه العلاقات بعد ذلك وخلال العقود التالية، وصولاً لوقتنا الراهن 2024م، تعاوناً مُتقدماً ساهم بتعزيز التفاهمات السياسية الهادفة لتعزيز الأمن والسلم والاستقرار، وبتعميق التعاون في المجالات الاقتصادية والطاقة حيث ساهمت بتعزيز التنمية والتطور والتقدم والنمو الاقتصادي المستمر والمستقر في البلدين وفي المجتمع الدولي، بالإضافة للتعاون في المجالات الأمنية والعسكرية الهادفة لمواجهة التطرف ومكافحة الإرهاب ومن يدعمه ويموله ويؤيده من تنظيمات وجماعات ومليشيات مسلحة خارجة عن القانون. نعم، هكذا هي العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدة الأميركية، فكما كانت بدايات تأسيسها صلبة وقوية ومتينة مُنذُ أن أقامها الملك المؤسس عبدالعزيز والرئيس روزفلت، فإنها تقدمت وتأصلت، عاماً بعد عام وعقداً بعد عقداً، نتيجة للإيمان العميق الذي آمنت به القيادات السياسية في البلدين -ملوك المملكة العربية السعودية ورؤساء الولاياتالمتحدة الأميركية- بأهمية تعزيز وتوطيد العلاقات الثنائية بين الدولتين والشعبين الصديقين. نعم، إنه تاريخ عميق وأصيل من العلاقات الثنائية التي أثمرت إيجابيات وإنجازات عظيمة للبلدين والشعبين الصديقين، والتي من شأنها أن تساهم في مواصلة تعزيز وتوطيد هذه العلاقات الثنائية في المستقبل لخدمة المصالح المشتركة بين البلدين والشعبين الصديقين. فإذا نظرنا إلى هذا التاريخ العريق من العلاقات بين البلدين والشعبين الصديقين، فإننا حتماً سنجد الإجابات عن جميع التساؤلات التي يتم طرحها حول مستقبل العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدة الأميركية بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في ال 5 من نوفمبر 2024م. نعم، إن الأُسس التي قامت عليها العلاقات الثنائية بين البلدين، والتعاون المتقدم في جميع المجالات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والتقنية والصناعية والخدمية، وغيرها من مجالات، والتفاهمات السياسية عالية المستوى التي تتم بين قيادات البلدين الصديقين، واللقاءات المتبادلة بين كبار المسؤولين في البلدين الصديقين، بالإضافة للحراك السياحي والتجاري وقطاع الاعمال بين الشعبين الصديقين، جميعها تؤكد على متانة العلاقات المستقبلية بين البلدين، وجميعها تؤكد على وجوب المحافظة على هذه العلاقات وتعزيزها لخدمة المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الصديقين. نعم، هذا الذي تؤمن به القيادات السياسية في المملكة، وهذا الذي تؤمن به القيادات السياسية في الولاياتالمتحدة سواءً كانت تنتمي للحزب الديمقراطي أو للحزب الجمهوري، وهذا الذي أثبتته حقائق التاريخ العريق للعلاقات بين البلدين الصديقين مُنذُ 1933م. وفي الختام، من الأهمية القول إن المستقبل البنَّاء والمُثمر للعلاقات السعودية - الأميركية يتأكد من حكمة القيادات السياسية وإيمانها بأهمية تعزيز العلاقات بين البلدين لخدمة مصالحهما المشتركة لتثمر، كما أثمرت خلال المئة عام الماضية، تعاوناً مُتقدماً ساهم بتنمية وتطوير البلدين، وخدم الشعبين الصديقين. نعم، إن العلاقات القائمة بين المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدة الأميركية التي لم تتأثر في الماضي بنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، فلن تتأثر في المستقبل بتلك النتائج، لأنها علاقات قامت على أسس صحيحة بين المؤسسات الرسمية في الدولتين، وعلى أساس خدمة المصالح المشتركة للشعبين الصديقين، وإذ تؤكد أصالة العلاقات التاريخية بين المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدة الأميركية على عُمق هذه العلاقات، فإن التاريخ يشهد للمملكة العربية السعودية أنها تعاملت باحترافية سياسية عالية مع جميع الرؤساء الأميركيين سواءً كان انتماؤهم للحزب الديمقراطي أو للحزب الجمهوري، وكذلك تعامل الرؤساء الأميركيون باحترافية سياسية عالية مع المملكة العربية السعودية، وباحترامهم العمل المؤسساتي الذي قامت عليه العلاقات بين الدولتين قبل مئة عام.