كتاب (المبادع: لمحة تاريخية ونماذج شعبية) للأستاذ عبدالعزيز بن علي النصافي مزيجٌ أدبي تاريخي ممتع عن فن المبادع (أو المحاورة)، وعن جمالياته وأعلامه المشهورين والمغمورين. وفي مُستهل الكتاب أشار المؤلف إلى الأسماء الأكثر شيوعاً من المبادع، ومنها: القلطة، والمحاورة والمراد، ثم عرّف به، وقدّم عرضاً تاريخياً موجزاً لهذا الفن وأهم المراحل التي مرَّ بها. فرأى أنّ مراحله خمس هي: «مرحلة التشكّل والبدايات»، وأن أقدم النماذج التي وصلت إلينا تعود إلى القرن الثالث عشر الهجري، تليها «مرحلة الريادة» التي صاحبها توفر وسائل النقل وظهور وسائل الإعلام كالتلفاز والصحف، وبدأ الشعراء بأخذ مقابل مالي لحضورهم في المحافل، ونقل النصافي بأن «أول من تسلّم مكافأة مالية مقابل إحياء الملعبة هو محمد بن شريّف الجبرتي». أما المرحلة الثالثة فسمّاها «مرحلة النقلة»؛ لأن الشاعر مطلق الثبيتي نقلها إلى فضاء أوسع باستعمال لغة بيضاء وموضوعات أشمل، إضافةً إلى ما شهدته هذه المرحلة من تنظيم مهرجانات خاصة بالمبادع في جامعة الملك سعود وفي مهرجان الجنادرية وفي غيرها. ثم جاءت «مرحلة الانتشار والتوسّع» التي اتسمت بالتجديد على مستوى الألحان وبنزع عباءة الكلاسيكية. وتلتها مرحلة خامسة هي «مرحلة القنوات الشعبية وجماهيرية التواصل الاجتماعي»، وتمثل امتداداً للمرحلة السابقة، وفيها زادت الشعبية الجماهيرية نتيجة الحضور القوي لعدد من الشعراء المميزين، واتجاه قنوات التلفاز لتنظيم مسابقات خاصة بالمبادع. وتضمّن الكتاب أبواباً طريفة في موضوعاتها من بينها: (محاورات ترند) الذي استعرض فيه المؤلف ثلاث محاورات شهيرة رأى أنها تُشكل «علامات فارقة» في تاريخ المبادع، ولعل أشهرها تلك التي دارت بين الشاعرين مستور العصيمي وحبيّب العازمي، واستهلها الأول بقوله: «نبي نعرض الدعوى على الشيخ ابن باز». وكذلك نُطالع باباً آخر عنوانه (محاذير فن المبادع) خصّصه للحديث عما يُسمّى «التمريرة» في المبادع، وقد انتقد العديد من الأبيات التي رأى بأنها خرجت من إطار هذا المصطلح ولم يوفق الشعراء فيها. كما وضع النصافي باباً للمحاورات الأقل شهرةً بعنوان (مبادع بديع) سلّط فيه الضوء على عددٍ من المحاورات التي كتب بأنها «من أجمل المحاورات على مدى تاريخ هذا الفن». ومن أبواب الكتاب المميزة أيضاً باب (البيت الملكي والرعاية الملكية) الذي عرض فيه المؤلف ملامح من علاقة قادة وأمراء المملكة العربية السعودية بفن المبادع ابتداء من مؤسس وطننا الغالي الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- وقد ركز على علاقة الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- بهذا الفن وبشعرائه وأورد نماذج من محاوراته مع عدد منهم. وعرض المؤلف، أيضاً، شيئاً من جوانب التميز والتفوّق في تجارب نخبة من فحول شعر المبادع تحت عناوين متنوعة، من بينها: (رشيد الزلامي: القوة الشعرية العظمى)، (المسعودي: كوكب لم يغب)، (شليويح بن شلاح: شيخ الشعراء)، (عوض الله أبو مشعاب: شمنصير)، (خلف بن هذال: العملاق المقدام)، (صيّاف: بحر الخليج الذهبي). كما لم يغفل عن إنصاف تجارب شعراء المبادع المغمورين أو البعيدين عن الضوء الإعلامي بالكتابة عنهم في باب (شعراء أكبر من دائرة شهرتهم). ويكشف لنا الجزء الأخير من الكتاب: (ملف خاص) عن السر وراء شغف المؤلف بالمبادع، وفيه نطالع ذكرياته مع الشعر في ثلاثة عناوين هي: (أسرتي الشاعرة)، و(قصائد في مجلس والدي)، و(شعراء من قريتنا). ومع أن كتاب المبادع، الصادر هذا العام 2024م، يقع في (294) صفحة إلا أن جمال وحيوية لغته، وثراء محتواه ورشاقة تنقّل مؤلفه بين أبوابه، كلها عوامل جاذبية تزيد من رغبة القارئ في مواصلة القراءة إلى آخر صفحة. ويُحسب للأستاذ عبد العزيز النصافي أنّه لم يستأثر بالحديث طيلة صفحات الكتاب، بل أتاح لنا الاستماع لأصوات الشعراء والنقاد والمتلقين وهم يتحدّثون عن كل ما له علاقة بفن المبادع وبمبدعيه وبروائعه البديعة. عبدالعزيز النصافي بداح السبيعي