الاتصال والتواصل بين البشر من أهم الأمور في العلاقات الإنسانية سواء كان هذا التواصل مباشراً وجهاً لوجه أو غير مباشر، وسواء كان بطريقة لفظية أو غير لفظية، فالناس حيال هذه المهارة –مهارة الاتصال الفعال- ينظرون لها بشكل مختلف، فهناك من يرى أهمية هذا التواصل ولديه إدراك ومعرفة بأهميته وبأنه أمر مهم، يطور الإنسان نفسه من خلاله ليجعله يستفيد من الآخرين لأنه مؤمن بأن ثمراته ونتائجه إيجابية، ولذلك هم يسعون في تطوير ذواتهم وتغييرها بشكل مستمر ليتقنوا هذه المهارة (مهارة الإتصال والتواصل الفعال مع الآخرين)، وهناك قسم آخر لديهم ضعف في هذه المهارة بل ينظرون لهذا الأمر بشكل سلبي وبلا مبالاة ولو أرادوا تقوية مهارتهم في هذا الشأن فيكون ذلك مع ما يتوافق مع مصلحتهم ومنافعهم فهم بذلك انتقائيون وغالباً لا ينجحون، وفي زمن الجوال ووسائل التواصل الاجتماعي انشغل كثير من الناس عن المجالس ومُجالِسِيهم وكأني بلسان حال بعضهم يقول لمن يحادثهم: فقط التفت لي وضع عينك بعيني حتى ولو لم تتلفظ وتتكلم بكلمة واحدة؟! هذا الأمر (مهارات التواصل مع الآخرين) هو الذي جعل المتخصص في علم النفس الدكتور ألبرت مهرابيان يصل لنتيجة دراسة قام بها عن تأثير الاتصال في الناس، حيث وجد أن تأثير الكلمات أو الألفاظ يمثل ما نسبته 7 ٪، وأن نبرة الصوت تؤثر بنسبة 38 ٪، وأما التأثير غير اللفظي من خلال لغة الجسد والعيون وقسمات الوجه يمثل تأثيره بين الناس بنسبة تقارب 55 ٪،وهذه النسب عموماً هي بشكل تقريبي وتعطي مؤشراً وملمحاً عاماً لأهمية الاتصال غير اللفظي الذي يتهاون فيه الناس، وقد جربناها جميعاً، فحين يتعمد أحدهم الكذب أو كان في كلامه بعض التناقض فأكثر ما نلاحظ فيه هو لغة الجسد وحركاته. هنا ربما يأتي تساؤل -من الأشخاص الذين لديهم رغبة في تطوير مهارات التواصل– عن كيفية التأثير في الآخرين بما أن الاتصال غير اللفظي هو الأكثر تأثيراً، وهنا باستطاعتنا القول إن بإمكاننا التبسم في وجوه الآخرين (في الوقت المناسب)، وديننا قد حث على ذلك في الحديث النبوي (لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)، وفي علم النفس عندما تتحدث مع أحدهم وأنت مقبض يديك فهذا مؤشر وإيحاء بعدم الارتياح عند الطرف الآخر أو أنك توحي بأنك غير منتبه له ولما يقول، ولذلك يفضل أن تكون يديك مفتوحة، ومن الأمور المهمة لنؤثر على الآخرين بشكل غير لفظي هو أن نتواصل معهم بصرياً أثناء الحديث معهم وهذه نلاحظها في علاقاتنا وتعاملاتنا، حيث إننا نشعر بالارتياح والاطمئنان أكثر تجاه الأشخاص الذين يتواصلون معنا بأبصارهم. تقول مؤلفة كتاب (كيف تجذب الناس كالمغناطيس) "إنها كانت تعمل مضيفة طيران على أحد الخطوط حيث طارت على متن المئات من الرحلات وقابلت الآلاف من الناس، وكانت تقدم الطعام والوجبات وما شابهها، وكان أغلب المسافرين قد اعتادوا ترديد كلمة (شكراً) وهي أكثر كلمة ترددت على مسامعها وبعضهم يقولها وهو مشغول عنها بمن حوله أو بطعامه دون أن يلتفت إليها"، وتضيف بأن "أحد الأشخاص في أحد الأيام لفت نظرها حين وضع عينه بعيني وقال: (شكرا، إنك تقومين بعمل رائع)، وكان يقولها بشعور عميق وهو يتواصل معي بصرياً حيث لم أسمع كهذا طوال فترة عملي كمضيفة، وبهذا التعامل جعلني هذا الراكب أخدمه بشكل أكثر من أي راكب آخر، وهذا يدل على أن لغة الجسد والتواصل غير اللفظي مهمة جداً في تعاملاتنا وحديثنا مع الآخرين ومع من نجالسهم، وهنا تذكرت أحدهم قبل سنوات حينما كان يتواصل معي هاتفياً ويرسل الرسائل حيث كان يظهر لي شوقه للقائي بحماس -يجعلك تعتقد في قرارة نفسك بأنه توءم روحك وأقرب الناس إليك– ولكن حينما ألتقي به كأن شيئاً لم يكن ولا يكاد يلتفت بل كأنه لا يعرفك! وهذا بلا شك نوع من الاضطراب عند البعض ومؤشر على جهل وضعف في مهارات التواصل. محمد العتيبي