أهم شيء في التواصل هو أن تسمع ما لا يقال «بيتر دراكر» ربما رأى معظمنا ما حدث خلال زيارة اوباما هذا الشهر لكوبا. فقد رفع كاسترو يد ضيفه في الهواء حتى لا يضع أوباما يده على كتفه. فقد تصرف أوباما من خلال لغة جسده ليوحي بالهيمنة، الرسالة التي رفضها راؤول بنفس اللغة، ليكشف التناقض بين لغة باراك اللفظية وغير اللفظية. لغة الجسد هي نوع من التواصل غير اللفظي، حيث يتم التعبير عن الأفكار أو النوايا، أو المشاعر من خلال السلوكيات المادية، مثل تعبيرات الوجه، ووضعية الجسم، والإيماءات، وحركة العين، واللمس واستخدام الحيّز المكاني. ويشكل التواصل الإنساني غير اللفظي على الأقل 80% من حجم التواصل. ويبقى أقل من 20% فقط للتواصل اللفظي. أجرى الدكتور «ألبرت مهرابيان»، مؤلف كتاب «الرسالة الصامتة»، العديد من الدراسات حول التواصل غير اللفظي. ووجد أن ما معدله 7% من أي رسالة كانت، يتم نقلها من خلال الألفاظ، وَ38% من خلال نبرة الصوت، وَ55% من خلال العناصر غير اللفظية، مثل تعابير الوجه والإيماءات، ووضعية الجسم، وما إلى ذلك. أي أن التواصل غير اللفظي يشكل ما مجموعه 93%. وبما أن لغة الجسد تترجم على شكل صور، فإن دماغ الإنسان يدرك هذه الصور بسرعة فائقة. بينما يحتاج إلى الكثير من الوقت لفك رموز اللغة بطريقة خطية ومتسلسلة. فقد أثبتت الدراسات أن نحو 83% من التعلم يأتي من خلال الأشياء المرئية، بينما نحصل على 11% فقط من خلال الأشياء المسموعة. ويبقى 6% نتعلمها من خلال وسائل أخرى. كما أن مدة بقاء المعلومة المرئية في الذهن أكثر بكثير من المعلومة اللفظية. فقد دلت البحوث على أن الاحتفاظ بالمعلومة في ذهن الإنسان يكون بنسبة 10% للأشياء المنطوقة، و35% للأشياء المرئية، و65% للأشياء المنطوقة والمرئية في نفس الوقت. تقول الباحثتان «إيمي جين سو» وَ «ميرييل ويلكنز» في كتابٍ لهما حول تأثير اللغة غير المحكية، إذا كنت ترغب في تمكين الآخرين أو التفاعل معهم أو تحفيزهم، لا تركز فقط على زيادة سلوكك الإيجابي. ولكن يجب عليك الالتفات كذلك إلى ما تحتاج إلى التوقف عن القيام به. فالناس يتذكرون السيئ أكثر من الجيد من الأمور. فقد أظهرت دراسات متعددة أن الناس تولي اهتماما بالغا للمعلومات السلبية. وفي المعدل، فإن ما يتذكره الناس من مواقف سلبية يعادل أربعة أضعاف ما يتذكرونه من مواقف إيجابية. وبما أن الغالبية العظمى من تأثير القائد على أتباعه مصدرها التواصل غير اللفظي، فإن من أهم ما يمكن أن يكف عنه القائد من تصرفات هو استخدام اللغة غير اللفظية التي تضعه في موضع المتكبر والمقيِّم للآخرين . فليس هناك من أحد لديه كرامة، يقبل أن يتسامح مع نظرة التعالي. ومن أنماط السلوك السلبية الأخرى تقطيب الجبين ونظرات الازدراء والسخرية. والأمر الثاني هو أن الناس لا يمكن أن يشعروا بالأمان ويشاركوا بآرائهم في الوقت الذي يتحدث فيه القائد معظم الوقت، ويقاطعهم، ويستجوب أفكارهم قبل أن يُنضجوا طرحها. لأن هذا يجعلهم يعتقدون أن آراءهم غير مرحب بها. والأمر الآخر هو التناقض في السلوك. فلو أكثر القائد الحديث عن النزاهة وهو ليس نزيها تماما، أو تعامل مع من فوقه بطريقة تختلف تماما عن تعامله مع مرؤوسيه، فتنم نبرة صوته عن الخضوع حين يتحدث مع رؤسائه وتتصف بالفظاظة وعدم الاحترام حين يتواصل مع مرؤوسيه. هذا التناقض يحفر في أذهان الناس ذكريات سلبية لا تُمحى أبدًا. ويجعلهم يتوقعون كل التناقضات من الناس الذين يتعاملون معهم، فيلجأون إلى الانزواء وتحاشي المواجهة معهم. الحقيقة هي أن هناك أوقاتا يحتاج القائد أن يكون فيها صغيرا. فهناك من القادة من يحاول الهيمنة طوال الوقت. فتجده مسيطرا على الاجتماعات في وقت يجب أن يلزم الصمت. وتراه يقود مشاريع كان يجب أن تكون من مسؤوليات أشخاص آخرين. قد تكون هناك بعض الإيجابيات للعمل مع مثل هذا القائد، ولكن تصرفه قد يسلب الآخرين سلطتهم، وخاصة أولئك المميزين. ويسهم سلوكه في خنق الاختلاف الخلاق حول الأفكار. فقد ذكرت الباحثة «إيمي كادي» في كتابها «لغة جسمك تحدد من أنت» وغيرها من الباحثين الذين تعمقوا في دراسة إشارات القائد غير اللفظية، أن لغة جسد القائد المتمثّلة بوضعية القامة، ووضوح الصوت وقوة النبرة، وحدة النظر إلى وجوه الناس، قد تؤدي إلى رد فعل عكسي سلبي غير متوقع بين أعضاء فريق القائد. تخيل أنك أنت القائد، وكنت تعرض لفريقك استراتيجية جديدة من خلال رؤيتك. وبعد الانتهاء من العرض، سألت أعضاء الفريق: «هل من تساؤل؟» ولكنك وجدت وجوها باهتة. ثم أعقبت: «هيا أريد رأيكم، أريد أفضل ما عندكم». فقام أحدهم وقال: «حسنا، يبدو أنها مبادرة رائعة». ثم أعقب آخر: «إنها فكرة إبداعية، كم تمنيت لو كنتُ فكرتُ في ذلك». فأنت قد حصلت تماما على عكس ما تريد من فريقك. وسلوكك ربما كان السبب في ذلك. فأنت كنت جالسا على رأس الطاولة. وكنت تتصنع لتبدو كبيرا. وتحدثت بنبرة قوية. وكنت تنظر بحدة في عيون الناس عند التحدث في النقاط الرئيسة. فأنت بعثت بإشارات سلوكية جعلتك تبدو ذكيا وواثقا ومتعاليا، مما جعل الآخرين يلوذون بالصمت.