كنت أقرأ قبل أيام حول تطور الاقتصاد الروسي، ودور الحماية الحكومية في تطور القطاع الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي، فروسيا حتى عام 2000 كانت تعتمد على واردات اللحوم، وخاصة الدجاج بنسبة 70 %. وكانت الولاياتالمتحدة هي المورد الرئيس لهذه اللحوم وخاصة أفخاذ الدجاج، التي صار الروس يطلقون عليها تودداً "أرجل بوش"، وذلك في إشارة للرئيس الأميركي السابق بوش الأب. ويمكن للمهتمين تصفح الإنترنت تحت مسمى "Bush legs". أما اليوم، فإن روسيا تصدر اللحوم إلى 60 بلداً من ضمنهم بلدنا. كذلك، فإن روسيا التي كانت تعتمد على واردات الحبوب أصبحت من أكبر المصدرين لها. بالمثل، فإن القطاع الصناعي الروسي الذي كان يعتمد على السوق الخارجية في تلبية العديد من احتياجاته في طريقه للاعتماد على الإنتاج المحلي، بعد فرض العقوبات على روسيا، ومن ضمنها الطائرات المدنية والمحركات، وعلى رأسها المحركات الغازية الضخمة، والمتابعون، يعرفون أن روسيا منذ عام 1991، أصبحت تدريجيا تعتمد على الطائرات والمحركات الأجنبية، وذلك لأن الإنتاج المحلي لم يتمكن، وخاصة بعد انضمام روسيا لمنظمة التجارة العالمية، من منافسة ما تنتجه الصناعة في الولاياتالمتحدة وأوروبا. أما اليوم فإن الروس في طريقهم لإنتاج طائرات ركابهم بأنفسهم. من هنا، فإن الوقت ربما يكون قد أصبح مناسباً للتفكير بعلاقتنا بمنظمة التجارة العالمية، ففي العام المقبل سوف نكون قد قطعنا نصف الطريق لتحقيق رؤية 2030. ولذلك، فربما يصبح موضوع الحماية لمنتجاتنا من الأمور المهمة. فمثلما نلاحظ، أن قوانين منظمة التجارة العالمية التي كانت في يوم من الأيام أيقونة وقاموس السلوك التجاري الدولي، قد أصبحت تنتهك من قبل واضعي تلك القوانين قبل غيرهم، فالاتحاد الأوربي الذي كان ممثلوه أكثر المتحمسين في جولة الأورغواي Uruguay Round، التي دامت أكثر من سبع سنوات ابتداء من بونتا دل إستا في أوروجواي عام 1986، وانتهاء بمراكش بالمغرب عام 1994، والإعلان عن تأسيس منظمة التجارة العالمية بداية عام 1995، أصبح الآن من أكثر منتهكي القوانين التي وضعت خلال تلك الجولات. إن الدول الأوروبية التي اكتشفت عدم تنافسية البضائع التي ينتجونها، يسيرون، بزعامة اللجنة الأوروبية، لفرض رسوم عالية على البضائع الصينية، ومن ضمنها صناعة السيارات الكهربائية. فهذه الضرائب قد تصل إلى 17.4 % على شركة BYD و 19.9 %، على شركة Geely و35.3 % على SAIC. فأين هي إذاً حرية التجارة العالمية التي كانوا يروجون لها -كما هي عادتهم- بحماس منقطع النظير؟ إذاً، وبعد أن نسي العالم منظمة التجارة العالمية وقوانينها، فإن الوقت ربما يكون قد أصبح مناسباً لنا لفرض رسوم على البضائع التي تنافس وتعيق إنتاجنا المحلي- خصوصاً وأن الدول الصناعية، التي أقنعتنا عام 1995، بأن حرية التجارة العالمية سوف تؤدي للحصول على بضائع عالية الجودة بأسعار تنافسية، قد صارت تصدر التضخم إلينا عبر قناة التجارة الخارجية.