في هذه الزاوية سنطوف حول قامات سعودية لم نجد لهم كتباً في المكتبات، ولم توثق تجربتهم. بقي إنتاجهم طي الصحف والمجلات رغم أنهم ساهموا في بدايات الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية من شعر ونثر ورواية نستذكرهم هنا في كلمات بسيطة لا توفيهم حقهم، نلقي الضوء عليهم، ومن هنا نضع أسماء من تجود الذاكرة باستدعائه علّ يكون هناك من يلم شتات أعمالهم ويجمعها تثميناً لما قاموا به من جهد على امتداد عقود.. عبدالله العسكر الكتابة عن الراحل الدكتور عبدالله العسكر (1952-2016) هي مهمة صعبة، كيف لا وهو شخصية تاريخية فذة، تركت إرثًا عميقًا كمؤرخ، مترجم، وكاتب. مسيرته الممتدة لأكثر من ثلاثة عقود لم تكن مجرد عمل أكاديمي تقليدي، بل كانت رحلة معرفية غنية شملت العديد من وسائل الإعلام وصولًا إلى كتبه وترجماته التي شكلت حجر أساس لأي باحث في التاريخ. قدم من خلالها بحوثًا ودراسات لا غنى عنها لأي مهتم بتاريخ الجزيرة العربية والعالم الإسلامي. بين ولادته ورحيله، عاش الدكتور العسكر مشوارًا مليئًا بالشغف والاكتشاف، متنقلًا حول العالم كباحث ومستشار، يجمع بين دقة المؤرخ وبصيرة المفكر. لم يقتصر نشاطه على المجال الأكاديمي، بل طرح رؤاه وأفكاره في المقابلات الصحفية والندوات، وكان له دور بارز في إثراء المشهد الفكري والثقافي في المملكة. لقد قادته الصدفة لدراسة التاريخ، لكنه جعل منه تخصصًا وميدانًا للتميز، حتى بات رمزًا قلِقًا على قلة المحترفين والمنصفين في توثيق التاريخ. أصدر العديد من المؤلفات المهمة، منها: "التاريخ الإسلامي"، و"المؤلفات النادرة عن المملكة العربية السعودية والجزيرة العربية"، و"الأصول الإسلامية للتدوين التاريخي"، بالإضافة إلى أطروحته الشهيرة "اليمامة في صدر الإسلام" (بالإنجليزية). كما شارك في كتابة "أطلس التاريخ السعودي" و"معجم التاريخ السعودي"، بالتعاون مع دارة الملك عبدالعزيز. وصفه الراحل عبد الرحمن الشبيلي بأنه "اسم منغرس في التاريخ السعودي المعاصر"، قبل أن يصبح التاريخ تخصصًا رسميًا له. جده الذي سُمي عليه كان أميرًا في بلدة المجمعة خلال الدولة السعودية الثانية، وأحد أبرز قادتها الموالين للملك عبدالعزيز، مما جعل من إرثه التاريخي ممتدًا عبر الأجيال. كان الدكتور العسكر حتى آخر لحظاته مدافعًا عن الوطن، حيث كتب مقالته الأخيرة في صحيفة "الرياض" قبل وفاته بيوم واحد. وفي مكتبة الإسكندرية، ختم حياته الزاخرة بالعطاء، بينما كان يبحث عن وثيقة أو معلومة تاريخية جديدة، مؤكدًا على التزامه المستمر بالتوثيق الدقيق. وقد حظي الراحل بكتابات عديدة عنه منها ما أصدرته مؤسسة اليمامة الصحفية، وهو كتابان أنجزهما الزميلان عبدالله الحسني مدير التحرير للشؤون الثقافية والدكتور أمين سيدو بعنوان: «الامتاع والمؤانسة في التاريخ» و»تدوير التاريخ». نحن اليوم نطل على نافذة بسيطة من عطاء هذا الراحل العظيم، عطاء محفور في ذاكرة التاريخ لا يمحوه الزمن. حسين الحربي