أكد الكاتب والمستشار الإعلامي الأستاذ عادل الحربي، أن التحديات كبيرة أمام المتخصصين في مجال الصحافة، مشددًا على أهمية الجمع بين التأهيل العلمي والمهني، حاثًّا طلاب الإعلام على محاولة البدء مبكرًا في تجربة الكتابة الصحفية. جاء ذلك في ورشة عمل "الكتابة الصحفية" ضمن البرنامج الثقافي لمعرض الرياض الدولي للكتاب، الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة تحت شعار "الرياض تقرأ"، في المدة من 26 سبتمبر حتى 5 أكتوبر. وحول الممارس الإعلامي الذي يعتمد على الموهبة دون التأهيل العملي؛ قال الحربي: "يمكن القول إن الدراسة الأكاديمية ليست بديلًا عن الموهبة، ولا الموهبة تغني تمامًا عن التعليم، بل إن التكامل بينهما هو ما يؤدي إلى النجاح المهني في الصحافة، فالتعليم بدون موهبة قد ينتج أستاذًا في الإعلام، والموهبة بدون تعليم تنتج صحفيًّا هاويًا ممارسًا مبدعًا، أما الموهبة مع التعليم فتنتج صحفيًّا ناجحًا أو خبيرًا إعلاميًّا"، مؤكدًا على أن انتظار طلاب الإعلام التخرج للبدء بالركض المهني يعد خطأ فادحًا. بعدها استهل الحربي الحديث عن "الكتابة الصحفية" بإيضاح أنها تهدف لنقل المعلومات للجمهور بشكل دقيق وموضوعي ومفهوم ومباشر، وتستخدم الجمل القصيرة والمعلومات الموجزة، مقارنًا بينها وبين "الكتابة الأدبية" التي تسعى غالبًا للتعبير عن الأفكار والمشاعر تعبيرًا جماليًّا، وقد تتضمن صورًا رمزية وخيالية بهدف إمتاع القارئ. وعن الحديث عن القارئ وتفاعله مع النصوص الصحفية؛ تطرق الحربي إلى تطور التفاعل مع الإعلام، حيث كانت الصحف تترك للقارئ خلق انطباعه الشخصي، قبل أن تتدخل فيه الإذاعة وتؤثر في مخيلته بإضافة المؤثرات الصوتية، ثم جاء التلفزيون ليقدم صورة متكاملة تقتحم وعي المتلقي، إلى أن وصل العالم لواقع صار فيه تفاعل المتلقي جزءًا من الرسالة الإعلامية، وأصبح قياس الأثر ركنًا أصيلًا في الممارسة المهنية. وانتقل الحربي إلى الحديث عن قوالب الكتابة الصحفية، حيث يقدم (الخبر) المعلومات الجديدة حول حدث معين بشكل مختصر ودقيق مع التركيز على العناصر الأساسية التي تجيب عن الأسئلة الخمسة: (ماذا، متى، أين، من، لماذا، وكيف)، فيما يقدم (التقرير) تغطية شاملة لموضوع أو حدث مع التعمق في التفاصيل، وغالبًا ما يتضمن آراء وشهادات متعددة لإثراء القصة، أما (التحقيق) فيعد بحثًا معمقًا في موضوع معقد أو قضية جدلية، ويحتاج إلى جمع معلومات من مصادر متعددة واستقصاء الحقائق استقصاء شاملًا. وإلى جانب (الخبر) و(التقرير) و(التحقيق)؛ يأتي (المقال)، الذي يعد تحليلًا أو تفسيرًا شخصيًّا لصحفي أو كاتب حول قضية أو موضوع معين، ويعبر عن وجهة نظر الكاتب أو الجهة التي يمثلها، وتهدف (المقابلة) لتسليط الضوء على أفكار شخصية يحاورها الصحفي، واستعراض تجاربها أو مواقفها حول قضية معينة. وتأكيدًا على أهمية المعرفة بأساليب "الكتابة الصحفية"؛ شدد الحربي على أن "المطبخ الصحفي" لم يعد محتكرًا على وسائل الإعلام وغرف الأخبار وجهود المراسلين، لأن كل منشأة لديها "مطبخ صحفي" خاص بها، ويجب على "صناع المحتوى" الإلمام بالأساليب الصحيحة للكتابة، منوهًا بأن الصحف والقنوات والإذاعات ليست سوى قوالب ووسائل نشر تتأثر وتتغير بناء على التقدم التقني، لكن قواعد الكتابة ثابتة، ولا يمكن أن يقدم "صانع المحتوى" لمتابعيه مادة ممزوجة برأي على أنها خبر. وبالحديث عن التقنية؛ نوه الحربي بأن الذكاء الاصطناعي أثر تأثيرًا كبيرًا في صناعة المواد الإعلامية، لكنه يظل أداةً مساعدة للصحفي والكاتب، سهلت عليه كثيرًا من الجهد، سواء في توفير وقت الإعداد، أو حتى تجويد المادة بتدقيقها وإضافة ما ينقصها من معلومات، مشددًا على ضرورة استحضار الأمانة المهنية عند استخدام الذكاء الاصطناعي. وكما أن هناك تقنيات تعد المواد للصحفيين، هناك أخرى تكشف حجم التدخل البشري فيها، وهذا يوقع كثيرًا من الكتَّاب في مأزق حين يتضح أن مقالاتهم كتبت كلها عن طريق الذكاء الاصطناعي. وحول النقاشات المتعلقة بالصحف الرقمية والموثوقية؛ قال الحربي إن ثقة الوسيلة الإعلامية تكتسبها بفضل مصداقيتها مع القارئ، منوهًا بأن المصدر الموثوق بمعناه التقليدي منحصر على وكالات الأنباء والتلفزيون الرسمي، حيث تعبر وكالة الأنباء السعودية (واس) والقناة السعودية عن موقف المملكة الرسمي، أما باقي المؤسسات الإعلامية فغير مسلَّمٍ بمصداقيتها وموثوقيتها، مشددًا على أن الموثوقية والمصداقية عبارة عن تجارب تراكمية للمتلقي تتحول مع الوقت إلى قاعدة عريضة من الواثقين بمحتوى جهة معينة. وفيما يتعلق بأهمية تقديم المحتوى باللغة الإنجليزية؛ لفت الحربي إلى أن الأهم وعي صانع المحتوى بالرسائل التي يقدمها، والجمهور الذي يخاطبه، مشيرًا إلى أن بعض تجارب المنصات والقنوات العربية الناطقة بلغات أجنبية فشلت بسبب هذه الجزئية. يذكر أن البرنامج الثقافي لمعرض الرياض الدولي للكتاب 2024م مستمر في مقر المعرض بجامعة الملك سعود حتى 5 أكتوبر 2024م، ليتيح لزواره من عشّاق القراءة والكتاب والمعرفة، لقاء عدد من أبرز الكُتّاب والمبدعين والأدباء والمثقفين ضمن تجربة ثقافية ومعرفية فريدة ومتكاملة.