نحتفل اليوم بالذكرى الرابعة والتسعين لتوحيد المملكة العربية السعودية، وهي بمثابة تذكير بالمسيرة الطويلة التي قطعها هذا الوطن بقيادة حكيمة، وشعب وفيّ متكاتف. نهنئ بهذه المناسبة مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- وإلى كل مواطن سعودي ساهم -وما يزال- في بناء هذا الوطن. من المهم أن نعي جميعًا، أن اليوم الوطني السعودي، ليس مجرد مناسبة نحتفل بها، بل هو في المقام الأول رمزا للوحدة التي جمعت مكونات هذا الشعب، كما أنه دعوة دائمة للتكاتف والعمل معًا لمستقبل يليق بمكانة المملكة الإقليمية والدولية. عند دراسة المفاهيم السياسية، فإن الوحدة الوطنية هي السلاح الأقوى الذي تمتلكه الدول في مواجهة التحديات، وهذه حقيقة أثبتتها التجارب على مر التاريخ، فبلادنا التي قامت على الوحدة منذ عهد الملك المؤسس -طيب الله ثراه- بنيت بتكاتف أبنائها، واليوم، ونحن نعيش في ظل رؤية السعودية 2030، نجد أن هذه الوحدة لم تعد مجرد شعار أو قيمة معنوية، بل أصبحت ضرورة لتحقيق طموحاتنا المستقبلية، فالرؤية التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تهدف إلى تطوير مملكتنا في مختلف المجالات، من الاقتصاد إلى التعليم، ومن الصناعة إلى السياحة. ومن أجل تحقيقها، فإننا بحاجة إلى تعاون الجميع، وإلى أن نكون على قلب واحد وهدف واحد. عند استكشاف حالة الأمم الناهضة، سنجد أن التكاتف الشعبي هو ما يمكن أن يحول هذه الرؤية إلى واقع، وأقولها بصريح العبارة، بلادنا ليست بحاجة إلى الأفراد المتخصصين فقط، بل تحتاج إلى كل سعودي وسعودية، بغض النظر عن مهنتهم أو مجالهم، فلكل منا دوره ومسؤوليته في المنظومة الوطنية الواسعة، وهذا ليس كلامًا استهلاكيًا، بقدر ما هو حقيقة خالدة في المسيرة الوطنية. ولعل ما يزيد هذه الوحدة قوة، هو ثقافة العطاء التي يتمتع بها الشعب السعودي، فمنذ القدم، وأبناء هذا الوطن يقدمون التضحيات لخدمة بعضهم البعض، وليس هناك من دليل أوضح على هذه الثقافة من المبادرات التطوعية التي نراها في مختلف المناسبات، أو الجهود التي يبذلها الأفراد والمؤسسات في دعم المشاريع الإنسانية والخيرية، فالعطاء هنا ليس مجرد تصرف فردي، بل هو انعكاس لقيم إسلامية وأخلاق اجتماعية توارثها الأجيال. هناك من يعتقد، من أن الوحدة الوطنية ضمانة للاستقرار السياسي والأمني فقط، بل هي في مكنونها الوطني، الضمانة الأساسية لاستمرار النمو الاقتصادي والاجتماعي، وإذا ما وضعنا ذلك على طاولة "التناسب الطردي"، فإنه كلما زاد تماسك الشعب وتعاون أفراده، ازدادت قوة دولتنا في مواجهة التحديات. إن الاستقرار الذي تنعم به المملكة اليوم، وسط منطقة مليئة بالتقلبات، هو نتيجة لهذه الوحدة، وعندما يثق المواطنون في بعضهم البعض، وعندما يثقون في قيادتهم، يصبح الوطن قويًا ومستقرًا، قادرًا على تحقيق تطلعاته، وتجاوز العقبات. ومن مسارات وحدتنا الوطنية، يتمثل في التنوع المهني والاجتماعي الذي نراه في مملكتنا اليوم، وهو عامل لتعزيز قوة اقتصادنا، كما أنه يتيح المجال للإبداع والابتكار، فالمجتمع السعودي بطبيعته مجتمع متنوع، وكل فرد فيه يساهم بطريقة أو بأخرى في تحقيق التنمية المستدامة، وإن التحديات التي نواجهها، سواًء كانت اقتصادية أو اجتماعية، فإنها تتطلب من الجميع أن يكونوا جزءًا من الحل، وأن يعملوا بروح الفريق الواحد، فالمملكة، بعد الله، ثم برؤيتها الطموحة، تعتمد على هذا التنوع، وتؤمن أن قوة الوطن تأتي من تلاحم أبنائه ومن تعدد أدوارهم. ختامًا، إن قوة هذا الوطن تكمن في وحدة شعبه، وفي ثقافة العطاء التي نراها تتجلى في مختلف جوانب الحياة، وإن اليوم الوطني مناسبة للاحتفال بهذه الوحدة.. دمتم بخير، وكل عام ووطنا وقيادتنا وشعبنا بخير.