كشفت الأحداث الدولية التي شهدها العالم مع مطلع الألفية الجديدة عن عمق الخلل في النظام السياسي الدولي ومرآته منظمة الأممالمتحدة، فظهر جليّاً ثقل الدول الكبرى وترجيحها للمواقف السياسية على حساب الأمن والسلم الدوليين، فكانت الأزمة الأوكرانية التي تفجرت أخيراً عنواناً مهماً كشف عن طبيعة العلاقات الدولية للقوى الفاعلة والمؤثرة في السياسية الدولية. العلاقات الدولية محكومة بالنظرة الأمريكية والقوى والتكتلات الأخرى الكبرى التي تظهر نتيجة تبدل التحالفات الدولية وتعقيد المصالح وتغيّر الأولويات وتبدل قواعد اللعبة الدولية، فعند محاولة قراءة الرؤية الأمريكية للشرق مثلاً يتضح أن هناك تغييرات هائلة على مستوى الموقف الأمريكي، فقد طرحت في السنوات الأخيرة أسئلة مهمة على صانع القرار في الدوائر السياسية والفكرية الأمريكية حول أهمية منطقة الشرق الأوسط، فهل مازالت الولاياتالمتحدةالأمريكية معنية باستقرار الشرق الأوسط بمعنى اعتباره منطقة ذات بعد استراتيجي حيوي لمصالحها، وبالتالي أهميته في أمنها القومي، وهل بات ذلك يعني تغيراً في أولويات الأمن القومي الأمريكي، ثم ماذا عن التزام أميركا تجاه إسرائيل وحمايتها ودعمها وتأمين محيط آمن في الشرق الأوسط فيه من المرونة لقبولها بعد أن كانت الولاياتالمتحدة هي الراعي الرسمي والحقيقي لكل اتفاقيات السلام بن إسرائيل وجيرانها العرب، وماذا أيضاً عن نظرة الولاياتالمتحدةالأمريكية للأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط من ناحية الموارد وأقصد النفط الخليجي عموما، وتحديداً النفط السعودي لما يشكله من أكبر حصة احتياطي على مستوى الدول المنتجة في الشرق الأوسط، أضف إلى ذلك تأثير انضمام دول أخرى منتجة للنفط الى منظمة أوبك مثل روسيا ضمن "أوبك بلس" ليمثل ذلك تكتلاً قوياً على صعيد التحكم بالأسعار وكميات الإنتاج الأمر الذي يعني تحولاً في السياسة العالمية الاقتصادية والسياسية. وشكّل التّحدي الروسي للقواعد الدولية المستقرة منذ نهاية الحرب الباردة خطراً كبيراً على الولاياتالمتحدةالأمريكية تمثل بإعلان عملية عسكرية ضد أوكرانيا المحسوبة على المعسكر الغربي. فقد اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية يوم 24 فبراير 2022، وكشف ذلك عن احتشاد الغرب الأوروبي والأمريكي ضد روسيا، والأزمة الأوكرانية أعادت خلط العلاقات الدولية والتحالفات والتكتلات الدولية والتقارب الذي حصل بين روسياوالصين والذي بدوره أقلق الولاياتالمتحدةالامريكية وحلفاءها. السعودية.. مرحلة جديدة في المكانة الدولية تمتلك السعودية كدولة مقومات حيوية، على رأسها ثوابت شامخة شموخ قيادتها ذات الرؤى الحكيمة وعقيدتها الإسلامية الخالدة، وعضويتها في المنظمات الإقليمية والدولية، وضرورات مصالحها الوطنية ونظرتها الشاملة إلى مصالح الدول والشعوب الأخرى، وتعمل السياسة الخارجية ضمن أطر محدده، ومبادئ واضحة تتمثل بحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتعزيز علاقاتها الخليجية، ودعم علاقاتها مع الدول العربية والإسلامية، وحرصها على وحدة البلدان العربية وتعزيز التعاون بين دول العالم الإسلامي، وتكاد تكون هي الدولة المؤهلة لقيادة العالم العربي والإسلامي، فقد لعبت أدواراً كبيرة في سبيل حل كثير من المشكلات والأزمات التي شهدتها بعض الدول العربية والإسلامية حرصاً منها على هذه الدول وإيماناً بأنها تمثل الحاضنة الشرعية لهذه الدول، فهي الأكثر حضوراً وتأثيراً في السياسة الدولية، وتطمح أن تكون ذا شأن على المستوى العالمي، نتيجة النهوض الهائل الذي تشهده بقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي وضع النقاط على الحروف ورسم معالم الدور السعودي من خلال فكرة التحديث الشامل والرؤية المستقبلية لمملكة باتت تراهن على الدور المحوري بشكل يتجاوز الإقليم الى مصافّ الدول الفاعلة والمؤثرة على مستوى العالم. لقد تبوأت المملكة مكانتها "مركز القوة" القيادي في المجال الجيوسياسي للمنطقة العربية والإسلامية، وأصبحت عاملاً لتعزيز الاستقرار السياسي في المنطقة، وتدافع عن قضاياه في المحافل الدولية، فتمثل بهذا المعنى أحد عناصر العالم المتعدد الأقطاب من خلال جهودها لصيانة مكانتها وتقويتها بصفتها أقوى حلقة في المنطقة العربية والإسلامية، ولرفع منزلتها الدولية على هذا الأساس، وبالطبع تريد المملكة أن تكون المُعبر عن مصالح ذلك القطب العالمي في اتصالاتها مع باقي أطراف المجتمع الدولي، وكانت لديها كل مبررات التصرف على هذا النحو، والدور الهام الذي لا جدال فيه في شبكة النظام الاقتصادي العالمي، والنمو والتطور المستقر (بالمقارنة مع باقي دول العالم العربي، والإسلامي). لعبت عدة عوامل مهمة دوراً مهماً في تعظيم السياسة السعودية التي يقودها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، فباتت علاقات المملكة تتصف بالشمولية، وباتت هذه العلاقات محكومة بالمصالح المتبادلة والمنافع المشتركة، فالمملكة لديها مقومات كبيرة على الصعيد الاقتصادي والموقع الجيوسياسي والديني والتاريخي يجعلها محوراً مؤثراً في الاستقرار السياسي على المستوى الإقليمي والدولي، ومن هنا يمكن تعريفها في ظل النظام الدولي الجديد "كمركز للقوة". إن التحول في الأداء الاستراتيجي السعودي يعد نقطة مهمة في سياستها الإقليمية حيال مواجهة التحديات والتهديدات الإقليمية والدولية، وذلك بوجود رؤية سمو ولي العهد الواضحة للتحرك إزاء القضايا المهمة وحسب المعطيات الجديدة في المنطقة العربية، ومن المهم الإشارة الى أن القيادة السعودية تدرك الحاجة إلى تطوير تحالفاتها الإقليمية بالاعتماد على نفسها لمواجهه التحديات الخارجية، ولقد ارتبطت عملية التغيير في سياسة المملكة في التعامل مع القضايا الإقليمية بالتحولات التي يشهدها النظام السياسي السعودي وبإدراكها حجم تراجع دور ومكانة الولاياتالمتحدةالأمريكية، وفي كل الأحوال يعد التحرك السعودي الفاعل تجاه الازمات الإقليمية إدراكاً استراتيجياً بعيد المدى للمخاطر المحتملة بما يملي على المملكة أن تكون طرفاً أكثر تاثيراً في شكل ونمط التفاعلات في المنطقة العربية، وإدراكاً من المملكة لأهمية العامل الاقتصادي في تدعيم المكانة السياسية للمملكة العربية السعودية على المستوى الدولي فقد لجأت الى تنويع مصادر دخلها وعدم التركيز على النفط في الاقتصاد السعودي وقد تبلور ذلك من خلال رؤية 2030 التي مثلت نقطة تحول في مختلف الأصعدة وتسهم في دعم عجلة التنمية المستدامة، فهي خطة طموحة للتحديث واستثمار الوقت والموارد ضمن خطط وبرامج شمولية منظمة، بعيداً عن الصدف والعشوائية في النظرة للمستقبل، وقد قامت رؤية 2030 كإطار عمل استراتيجي تبنته قيادة المملكة الحكيمة والمستبصرة لتقليص الاعتماد على النفط وتنويع الاقتصاد الوطني. وتعزيز فكرة المجتمع النابض بالعطاء والنماء والاقتصاد الوطني المزدهر الذي يشكل عنواناً لأمة طموحة. السعودية ومنظومة الأممالمتحدة توازن العلاقات الخارجية واحترام الأمن والسلم الدوليين تدرك المملكة حجم دورها الحقيقي كدولة قائدة ومحورية تتمتع بثقل واستقرار اقتصادي وسياسي على مستوى العالم ومكانة قيادية على مستوى العالم العربي والاسلامي، فقد أكد سمو ولي العهد في أحد لقاءاته أهمية التزام الدول بميثاق الأممالمتحدة خاصه تلك المتعلقة باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية بصفتها قواعد ثابته للعلاقات بين الدول، وهو جوهر ميثاق منظمة الأممالمتحدة التي ولدت بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت المملكة من الدول المؤسسة لهذه المنظمة وميثاقها، فقد أناب عن الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- في التوقيع عنه على وثيقة التأسيس نجله الأمير فيصل بن عبدالعزيز والذي كان حينها وزيراً للخارجية. وقد ارتجل الأمير فيصل في تلك المناسبة الدولية كلمة تاريخية نيابة عن دول العالم النامي بعد التوقيع على الميثاق "اليوم يتجه مؤتمرنا التاريخي هذا، والذي اشتركت فيه دول عديدة، نحو تأسيس ودعم السلام العالمي. لقد شهد هذا اليوم إكمال ما يمكن أن يسمى بميثاق العدل والسلام. الهدف هو خلق منظمة ذات فعالية قصوى للمحافظة على السلام والعدل في عالم المستقبل. هذا الميثاق لا يمثل الكمال الذي تتوق إليه الدول الصغرى، لكنه، وبلا شك، أفضل ما يمكن أن تتفق عليه خمسون دولة.. والأمل أن هذا الميثاق سوف يحقق الرخاء والعدالة لكل الشعوب، كبيرها وصغيرها، وما دمنا كلنا متحدين ومتعاونين" فالمملكة العربية السعودية عضو مؤسس في منظمة الأممالمتحدة وقد شاركت في مؤتمر سان فرانسيسكو الذي تم خلاله إقرار ميثاق منظمة الأممالمتحدة، وقد انضمت المملكة العربية السعودية إلى الأممالمتحدة كعضو في الميثاق بتاريخ 26 يونيو 1945. ووقع الأمير فيصل الميثاق كعضو مؤسس نيابة عن الملك عبدالعزيز آل سعود في حفل أقيم في سان فرانسيسكو. لقد آمنت المملكة العربية السعودية منذ فترة مبكرة بالأمن والسلم الدوليين، وقد عبّر عن ذلك في حينه جلالة الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، عندما قال: "إن حكومة المملكة العربية السعودية لتنضم إلى الأممالمتحدة في تصريحها القائل إن مبادئ السلم والعدالة والحق يجب أن تسود أنحاء العالم، وإن العلاقات الدولية يجب أن تقوم على هذه المبادئ". لقد تجسد اهتمام المملكة بأهمية التعايش السلمي من خلال المبادرة السعودية لإصلاح هيئة الأممالمتحدة ومجلس الأمن، بهدف تحقيق التوزان بين مصالح دول العالم المتقدمة والنامية، كونها تمثل مرجعية دولية لحل النزاعات وحفظ السلام والأمن الدوليين، وانتقاد السعودية لازدواجية المعايير الدولية في مواقف مجلس الأمن تجاه الصراع العربي الإسرائيلي وخصوصاً قضية القدس واتخاذ ممثلي مجلس الأمن لمواقف متشددة تجاه بعض الأحداث الدولية وعدم اتخاذه لنفس المواقف تجاه كثير من القضايا العربية والإسلامية مما أفقد المجلس مصداقيته على المستوى الدولي والإقليمي. وأعلنت المملكة مواقف تجاه محاربة الإرهاب من خلال تعاون المملكة مع كافة الجهات الدولية ذات العلاقة، وإنشاء صندوق دولي لمكافحة هذه الظاهرة التي أصبحت من أكثر الظواهر تأثيراً على السلام والأمن الدوليين وقيام المملكة بعقد مؤتمرات دولية عن الإرهاب كل ذلك يعطي أهمية خاصة للتعايش السلمي وأهميته في السياسة الخارجية السعودية. تعتبر المملكة مساهماً رئيساً في المساعدة الإنمائية للأمم المتحدة منذ الخمسينات. حيث يوجد حاليًا 23 وكالة وصندوقًا وبرامج تابعة للأمم المتحدة تعمل مع المملكة العربية السعودية، بما في ذلك المكاتب الإقليمية. وتخطط وكالات الأممالمتحدة وتعمل معًا، كجزء من جهاز الأممالمتحدة الإنمائي بقيادة المنسق المقيم، لضمان تحقيق نتائج ملموسة لدعم رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني وأهداف التنمية المستدامة السبعة عشر المعتمدة في عام 2015. تم تحديد الشراكة بين الأممالمتحدة والمملكة العربية السعودية من خلال إطار الأممالمتحدة للتعاون من أجل التنمية المستدامة مع المملكة العربية السعودية-(2022- 2026). وحدد فريق الأممالمتحدة قي المملكة العربية السعودية خمس مجالات ذات أولوية استراتيجية مستمدة من أجندة 2030 للأمم المتحدة وأهداف التنمية المستدامة: الناس، الكوكب، الازدهار، السلام، والشراكات. السعودية والعلاقة بالولاياتالمتحدة يعود تاريخ العلاقات السعودية الأمريكية الى عقود من الارتباط الاستراتيجي عندما منح المغفور له الملك عبدالعزيز حق التنقيب عن النفط السعودي لشركه أمريكية عام 1931، ثم تلتها توقيع اتفاقية تعاون هي الأولى بين البلدين في عام 1933 كانت إحدى أهم الاتفاقيات الاقتصادية في العصر الحديث. وحظيت المملكة باهتمام عالمي عام واهتمام أمريكي خاص، نتيجة مكانتها الإسلامية، والسياسية والاقتصادية، وعدّت إحدى مرتكزات الأمن الاستراتيجي في المنطقة العربية، كما أن ثروتها النفطية زادت من دورها الدولي في إحداث توازن بالاقتصاد العالمي على مر السنين، نتيجة تحوّل النفط إلى سلعة عالمية أثرت على اقتصاديات العديد من الدول المستهلكة له، فضلاً عن أن إطلالتها على سواحل البحر الأحمر والخليج العربي جعلها متميزة في موقعها الجغرافي بالمنطقة. واليوم نجد أن العالم أمام تحديات مهمة وتغييرات كبيرة في ملفات عدة، منها اقتصادية وسياسية تختلف التحديات وتتشابه الفرص ويتأكد أنها كفيلة بأن تصنع وتحدد شكل العالم في العقود القادمة، ومن المؤكد أن أكثر مناطق العالم تأثراً بالتحولات الدولية هي منطقه الشرق الأوسط مصدر الطاقة العالمي والأزمات السياسية، وهذا ما جعل خياراتها تتضاعف من خلال المواقف السياسية للمتنافسين، فالانتصارات السياسية اليوم لا تسير باتجاه واحد نحو أمريكا أو الغرب، اليوم هناك أقطاب متعددة تحاول أن تكرس مواقفها السياسية فوق النظام العالمي، والتي يخبرنا التاريخ أن دول الشرق الأوسط دائماً ما لعبت دور الحسم في ترقية أو تخفيض القوى السياسية العالمية، وهنا من المهم أن هذه التحولات العالمية دفعت الولاياتالمتحدة في كثير من المناسبات والمواقف إلى مغازلة المملكة التي فتحت آفاقاً سياسية دولية مع كتل دولية وقوى أخرى مثل روسياوالصين، فانفتاح المملكة في السياسة الدولية جعلها رقماً صعباً في العلاقات الدولية. وتوّجت الزيارة التاريخية الرسمية التي قام بها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في يونيو من العام 2016 إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية قمة العلاقات السعودية الأمريكية، فرسخت الشراكة والتحالف بين البلدين وساهمت في توطيد العلاقات الثنائية الممتدة لنحو أكثر من 80 عامًا، وجددت آفاق التعاون عموماً خاصة الاقتصادي منها، بعد إطلاق رؤية 2030م للنهوض الشامل. إن أهمية تعميق العلاقات السعودية مع الولاياتالمتحدةالأمريكية تأتي لتلبية مصالحها الوطنية مع دول العالم الفاعلة والمؤثرة بما فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية، وخدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية. سعت السعودية إلى لعب دور إقليمي ودولي، وذلك من أجل المحافظة على الأمن والسلام والاستقرار للسعودية والمنطقة بأكملها، وقد تميزت السياسة الخارجية السعودية في عهد الملك سلمان بالحزم والأمل، وذلك من خلال تكامل الأدوات الدبلوماسية والعسكرية والإنسانية بين بعضها، وظهر ذلك من خلال تحالف عاصفة الحزم التي قادتها السعودية ضد الحوثيين في اليمن، وعملت في نفس الوقت على تقديم السعودية للمساعدات الغذائية والاغاثية والطبية للشعب اليمني. إن كيفية استخدام المملكة لفائضها المالي كان له أثر كبير ليس في النظام الاقتصادي الامريكي فحسب بل في النظام الاقتصادي العالمي، وإن السعودية كانت قد لعبت وماتزال تلعب دوراً رئيساً في منظمة أوبك، كما أن المملكة تعتبر سابع أكبر سوق للسلع والخدمات والتكنولوجيا الأمريكية. وتعميقاً للعلاقات السعودية الأمريكية ورغم ما قد تشهده العلاقات السعودية من خلافات قد يكون لها تأثير بشكل العلاقات في مراحل زمنية معينة بين الطرفين إلا أن العلاقات هي استراتيجية بالنسبة للجانبين، فقد وقعت السعودية والولاياتالمتحدةالأمريكية معاهدة للتعاون الاستراتيجي المشترك لمدة خمسة وعشرين عاماً في عام 2021، وتتضمن التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والتقنية، الى جانب التعاون الدفاعي والعسكري. السعودية ومنظومة علاقاتها الصينية إنّ حرص المملكة على تنمية العلاقات الصينية يأتي في سياق توجهها الاستراتيجي لتعزيز شراكاتها الثنائية مع جميع الدول والقوى الدولية المؤثرة، والتي بدأت في عام 1939 بعلاقات دبلوماسية بين البلدين لتكون بذلك أول دولة عربية، وقد توثقت تلك العلاقة عام 1946م بمعاهدة صداقة. شهدت العلاقة السعودية الصينية تحسناً واضحاً، حيث أقامت المملكة علاقات كاملة مع جمهورية الصين، وأصبحت الصين مستورداً رئيساً للبترول من السعودية مما أعطى للبعد الاقتصادي أهمية خاصة في العلاقات السياسية بين الدولتين، حتى زيارة الرئيس الصيني للسعودية في ديسمبر 2022، التي شكلت محطه هامة في تعزيز علاقاتهما الاستراتيجية، فقد نتج عنها البناء على اتفاقيات الشراكة الشاملة، سيما وأن الاقتصاد الصيني يعدّ الاقتصاد الثاني الأكبر والأضخم على مستوى العالم بعد الاقتصاد الأمريكي حيث يمثل الاقتصاد الأمريكي ما نسبته 23.95% من إجمالي الاقتصاد العالمي في حين يبلغ وزن الاقتصاد الصيني 17.74%. وأكسب العلاقات بين الدولتين بعدها الاستراتيجي، فالدولتان بحاجة شديدة للتعاون؛ فالصين بسوقها الضخم وبحاجتها المتزايدة للنفط تعتبر بالنسبة للمملكة سوقاً مهماً، والسعودية مصدراً مهماً من مصادر الطاقة للصين، وعلى الصعيد السعودي يبرز الاتجاه نحو تعزيز العلاقات مع الصين والذي ساعد على تكوينه صعود الصين بوصفها قوة كبرى وقطباً أساسياً في الشؤون الاقتصادية والسياسية الدولية. ودعت الصين، إلى تسريع توقيع الاتفاقيات الهادفة إلى الدمج بين مبادرة بلادها "الحزام والطريق" التي تحيي طريق الحرير و"رؤية السعودية 2030"، بهدف تطوير العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، وبناء شراكة استراتيجية أعمق وبالذات على جانبي التجارة والاستثمار بحيث تصبح المملكة الشريك الاستراتيجي الأول الموثوق للصين في المنطقة، وتم توقيع اتفاقية الدمج والمواءمة في عام 2022. السعودية ومنظومة علاقاتها الروسية تمتدّ العلاقات التاريخية بين السعودية وروسيا لأكثر من تسعة عقود، حيث كانت موسكو أول دولة اعترفت بالمملكة بقيادة المغفور له الملك عبدالعزيز عام 1926م كأول دولة غير عربية، بعدها زيارة الملك فيصل 1932م في العام الذي شهد إعلان تأسيس المملكة العربية السعودية، كما كانت بدورها أول بلاد عربية أقام الاتحاد السوفيتي علاقات دبلوماسية معها، لتتنامى وتصل الى الشراكة الاستراتيجية بزيارات متعددة من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال الفترة من 2015م إلى 2018م توجت بزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في أكتوبر 2017م، وهي أول زيارة لملك سعودي إلى موسكو، بعدها قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة للمملكة في أكتوبر 2019م. تشهد وتيرة العلاقات السعودية- الروسية تصاعدًا كبيرًا وتطورًا نوعيا، وتصدر قطاع الطاقة أحد أهم جوانب التعاون بين روسيا والمملكة العربية السعودية، ولعل ذلك يعود إلى تزايد النفوذ الروسي في أسواق النفط العالمية، بعد أن احتلت روسيا المرتبة الثانية في قائمة الدول المصدرة للنفط بعد السعودية، وأصبح التعاون في مجال النفط والغاز يشكل العنصر الرئيس في المباحثات الثنائية بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي، خصوصًا السعودية التي كانت الأكثر رغبة في التعاون مع روسيا بدلاً من التنافس معها في أسواق النفط الدولية. إن العلاقات بين البلدين تدفع نحو تعميق التعاون بشكل أكبر وتبادل المعلومات على صعيد استقرار أمن الطاقة، وكذلك التنسيق على مستوى أوبك بلس، وفتح المجال أمام جميع المجالات وفي مقدمتها الصناعية والعسكرية، وقد وقعت المملكة العربية السعودية في (2021) اتفاقًا عسكرياً مع روسيا الاتحادية بهدف تطوير مجالات التعاون العسكري السعودي-الروسي، والتعاون بين الدولتين فيما يخص بناء المفاعلات النووية للأغراض السلمية، وأن العلاقات السعودية الروسية تتجه نحو بناء علاقة استراتيجية في جميع المجالات، وهو ما سيساعد في دعم استقرار أسواق النفط العالمية بالإضافة إلى زيادة التبادل الاستثماري بين الدولتين، بما ينعكس على أمن البلدين ومصالحهما المشتركة حيث ان لديهما مقومات جيواستراتيجية واقتصادية مهمة ومؤثرة على المستويين الإقليمي والدولي. العلاقات مع الأوروبيين الموقف السعودي سياسياً هو موقف نضج ووعي دولي ومستحق ونحن اليوم أمام فكره محورية القرار السياسي تجاه العالم، وهذا ما مارسته منظمه أوبك بقيادة المملكة التي ترى أن الازمة الروسية الأمريكية والتي تتخذ من أوكرانيا مسرحاً لها ليست جزءاً أساسياً في صناعة الاتجاه العالمي لكي يتم التحيز لها على حساب قضايا دولية أخرى، فالكل ينظر إلى السلوك السياسي والاقتصادي السعودي ويترقب نتائجه وتأثيراته، وهو المعنى نفسه الذي أكده تقرير لموقع فرانس 24 جاء فيه أن فرنسا لا تركض وراء إبرام عقود تجارية مع السعودية كما كان الحال في السابق بل نسعى إلى بناء شراكة متطابقة الرؤى ترتكز على التطور الاقتصادي والتكنولوجي طويل الأمد، وإنشاء علاقه شراكة قوية يسهم فيها الأوروبيون وبجدية في نقل التكنولوجيا إلى المملكة وفي كافة المجالات الحيوية التي يقوم عليها مستقبل التطور في المملكة. العلاقات السعودية - الإيرانية تسعى الدول إلى امتلاك عناصر القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية والديمغرافية التي تؤهلها للعب دور في الإطار الإقليمي لتحقيق أهداف سياستها الخارجية لتساعدها في حماية أمنها القومي والوطني. وفي ضوء ما تمتلكه السعودية من مقومات قوة اقتصادية وسياسية ودينية، تؤهلها للقيام بدور فاعل في النظام الدولي والإقليمي، بالإضافة إلى علاقاتها الدولية الوطيدة، فقد ساعدها ذلك في لعب دور مؤثر في كثير من قضايا المنطقة العربية والخليجية، ونتيجة للأحداث والتطورات التي شهدتها المنطقة العربية في مرحلة الاحتجاجات العربية والتي انتشر معها الفوضى والدمار وتفتت الدولة الوطنية نتيجة الصراعات الأهلية والحروب الداخلية، وترافق ذلك مع بروز الدور التركي، والتمدد الإيراني، وكان لابد للمملكة العربية السعودية من اتخاذ سياسات فعالة تجاه القضايا الإقليمية التي تمس الأمن الوطني السعودي والأمن القومي العربي، فالمملكة العربية السعودية هي اللاعب الرئيسي في المنطقة العربية. لقد سعت المملكة العربية السعودية للحد من التوغل الإيراني وامتداده لحدودها الجنوبية من خلال قطع التمويل والامدادات عن جماعة الحوثي في اليمن. ولقد أدركت السياسة السعودية تراجع الدور الأمريكي نحو الجانب الإيراني المتغلغل في المنطقة دون العمل على ردع نفوذها في لبنان واليمن والعراق وسورية، الأمر الذي جعل السعودية تلجأ لدعم استخدام عدة طرق للحد من التصرف الإيراني وشركائها في المنطقة، وانتهجت المملكة العربية السعودية في مجال سياستها الخارجية مبدأ التحالفات العسكرية والاستراتيجية مع دول عظمى لها تأثيرها الملموس في النطاق الدولي والإقليمي، ولعل ذلك يؤكد فكرة الانفتاح على كل اللاعبين الدوليين والإقليميين. على الصعيد الإقليمي نجحت المملكة العربية السعودية بشكل تدريجي نحو سياسة تصفير المشاكل لإنهاء التوترات الإقليمية القائمة وتعزيز المصالح والمكاسب السعودية الاستراتيجية، لا سيما مع ظهور توجه عام لدى العديد من الدول في الشرق الأوسط إلى تبني وتعزيز سياسة «صفر مشاكل» لتحقيق مصالحها الاستراتيجية كمصر وتركيا والإمارات. المستقبل في العلاقات السعودية الإيرانية والمعادلة الإقليمية أخذا بعين الاعتبار تأثير الدور الإيراني على الدول العربية مثل: (اليمن والبحرين والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين)، فكانت المملكة العربية السعودية واعية لطبيعة الدور الإيراني، فالمصلحة العربية عموماً والسعودية خصوصاً تقتضي بناء علاقات توازن وتفاهم مع إيران، فقد أكد سمو ولي العهد في مقابلة تلفزيونية بثتها قناة العربية: "إيران دولة جارة ونطمح أن يكون لدينا معها علاقة جيدة"، وأضاف سموه: "لا نريد أن يكون وضع إيران صعباً، بالعكس، نريد لإيران أن تنمو وأن يكون لدينا مصالح فيها ولديها مصالح في المملكة العربية السعودية لدفع المنطقة والعالم للنمو والازدهار"، وتابع سموه: "إشكاليتنا هي في التصرفات السلبية التي تقوم بها إيران سواء من برنامجها النووي أو دعمها لميليشيات خارجه عن القانون في بعض دول المنطقة أو برنامج صواريخها الباليستية"، كما ذكر وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان: "يأتي استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وإيران، انطلاقا من رؤية المملكة القائمة على تفضيل الحلول السياسية والحوار، وحرصها على تكريس ذلك في المنطقة. يجمع دول المنطقة مصير واحد، وقواسم مشتركة، تجعل من الضرورة أن نتشارك سويا لبناء أنموذج للازدهار والاستقرار لتنعم به شعوبنا". خاصة مع وجود الصين كطرف في الاتفاق السعودي الإيراني. يتوافق التقارب السعودي الإيراني مع تحولات السياسة الخارجية السعودية وتغيرات الساحة الدولية، إلى جانب جُملة من الاستنتاجات الأخرى التي توصلت إليها الرياض بعد انخراطها في أزمات المنطقة طوال العقد الماضي، والتي مفادها؛ أن حسم تلك النزاعات لصالح أحد أطرافها أمر في غاية الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً، ولذلك فهي تتحرك باتجاه حل الأزمة حتى في مرحلة ما قبل المحادثات مع إيران. إن وجود الصين كطرف في التفاهمات السعودية الإيرانية يؤكد دهاء السياسة السعودية في هندسة مصالحها وبناء التكتلات السياسية الجديدة بالشرق الأوسط، فالصين هنا ليست وسيطاً عادياً بل قوة دولية كبرى فهي عضو بمجلس الأمن الدولي، وتمتلك علاقات إستراتيجية قوية للغاية مع الطرف الثاني "إيران" وبالتالي لديها بالفعل قوة التأثير. ولهذا يلاحظ أن إيران قد أعلنت أن الاتفاق يحظى بدعم المرشد الأعلى علي خامنئي، والتي تعتبر لحظة تحول فارقة للشرق الأوسط، وأن فهم علاقات القوة المتغيرة يكتسي أهمية بالغة لرسم ملامح المستقبل، التي تنعكس آثارها ونتائجها على المنطقة برمتها، وتحقيق رؤية سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والوعد الذي أطلقه للدول العربية بظهور أوروبا الجديدة في الشرق الأوسط، في إشارة بالغة الأهمية تغيّر التحالفات والمصالح وأهمية العمل الدبلوماسي مع القوى الفاعلة في المشهدين الإقليمي والدولي. الشراكات والمصالح تؤكد مساعي المملكة على حكمة وفطنة سمو ولي العهد في أن تكون علاقات المملكة بغيرها من دول العالم مبنية على المنافع المتبادلة وتعظيم الفوائد والمكاسب والأرباح للطرفين وربط نتائجها وأهدافها بأهداف رؤية المملكة الطموحة وبرامجها التحويلية الاثني عشر، فبناء علاقات وشراكات دولية قوية مع دول عظمى سيساعد كذلك على نقل المعرفة المرتبطة بصناعات تحتاج إليها المملكة خلال المرحلة القادمة وبالذات الصناعات التي تتطلع إلى توطينها مثل الصناعات الحربية والعسكرية وصناعة الترفيه والاتصالات وتقنية المعلومات وغيرها من الصناعات، حيث أن تنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية يساهم في تقوية العلاقات السياسية مع دول العالم، سيما وأن العلاقات الاقتصادية القوية المبنية على الشراكات الاستراتيجية العميقة والمصالح المشتركة أصبحت اليوم المحرك الأساسي للسياسة وتوجهاتها الإيجابية بين الدول، ويعكس نهوض الدول ويعزز مكانتها في السياسة الدولية. .