لقد أصبح لدى العالم اليوم يقين ثابت أنه يستحيل تجاوز السعودية في قضايا كثيرة منها الطاقة، كما يستحيل تجاوز السعودية في قضايا الإسلام والمسلمين، وقضايا العرب وقضايا التجارة والاقتصاد.. تتبلور فكرة أهمية السعودية للكثير من دول العالم، سواء تلك التي حاولت عبر الزمن أن تتجاهل الدور السعودي الإقليمي والدولي أو تلك التي لم تدرك بحق تلك القيمة السياسية الفعلية التي تمكنت السعودية من صناعتها لنفسها عبر التاريخ، هذه القيمة السياسية والاقتصادية لم يصنعها الغرب أو الشرق للسعودية، ولم تكن السعودية يوما من الأيام بحاجة إلى إعادة تأهيل أو إعادة تشكيل من أي دولة من دول العالم، وهنا يأتي السؤال المهم حول المسؤولية التي تنتظر السياسية السعودية في ظل هذه التحولات الهائلة التي يشهدها العالم. المرحلة الدولية القادمة سوف تضعنا في المقدمة ليس لأننا نبحث عن تلك المكانة، ولكن لأن مكاننا الدائم هو في المقدمة، ولو لم تكن السعودية دولة عربية جغرافيا وسياسيا لكانت اليوم شكلا مختلفا، ومع أن الظروف التاريخية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية ساهمت في تغيرات كبرى في المنطقة العربية، إلا أن السعودية ظلت متسمة بالتوازن والمحافظة على قيمها الدولية بكل إصرار، فالسياسة السعودية عبر التاريخ لم تتخذ قرارا استراتيجيا يجعلها في مكانة صلبة أو غير مرنة، فمنذ إطلاق الملك عبدالعزيز - رحمه الله - لمملكته الفتية التي ورثها عن أجداده كان التوازن والهدوء ومراعاة المصالح الإقليمية والدولية سمة بارزة في السياسية السعودية. التاريخ أصبح شاهدًا دائماً على مكانة السعودية ومن الطبيعي جدا الحديث عن أن السعودية اليوم هي واحدة من أهم الدول في العالم، فهذه الدولة ذات العمق التاريخي والمكانة الإسلامية والسياسية والاقتصادية لا يمكن تجاوزها، وما يحدث من دول العالم الكبرى حول إعادة منظورها للسعودية ليس مستحدثا، فالسعودية أجبرت الدول الكبرى دائماً على أن يتم النظر إليها كونها دولة تتحكم بالتوازن الدولي بطريقتها الخاصة، لو استعرضنا التاريخ السعودي منذ إنشائها على يد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - إلى اليوم لاكتشفنا أن هناك الكثير من المحاولات لتهميش الدور السعودي، والذي كانت تقابلة السعودية بكل هدوء ودون ضجيج لأنها تدرك معايير السياسة الدولية، وأنه لا يمكن للكبار من الدول تخطي السعودية في اللحظات الدولية الحاسمة. السعودية لا تقلق على نفسها بقدر ما تقلق على العالم باعتبارها واحدة من الدول التي تشكل الميزان الحقيقي في كثير من القضايا الحيوية المهمة، لقد أصبح لدى العالم اليوم يقين ثابت أنه يستحيل تجاوز السعودية في قضايا كثيرة منها الطاقة، كما يستحيل تجاوز السعودية في قضايا الإسلام والمسلمين وقضايا العرب وقضايا التجارة والاقتصاد، فمدركات العالم عنا أصبحت مثل مكتشفاتنا من الطاقة تفاجئ العالم بالجديد، فكثير ممن يتعقدون أنهم يدركون السياسة الدولية أو تدفعهم مصالحهم الشخصية لمحاولة رسم السياسة السعودية وكأنها تسير في طريق مسدودة دائما ما تفاجئهم هذه السياسة بأنها تسير في طريق مفتوحة متعددة المسارات والخيارات التي تجعلها هي من يقرر بشان الآخرين وليس العكس. في الحقيقة أن المعطيات التاريخية اليوم أفضت إلى مسار مهم حول السعودية هذا المسار ينطوي على قدر عال من الموضوعية والواقعية وليس على الخيال والتمني، وذلك حول طبيعة السياسية السعودية ومكانتها الدولية وما يكتنفها من حقائق فعلية ساهمت في الكشف عن مكانة السعودية بشكل أوضح في إدارة شؤون المجتمع الدولي، وهذه ليست مبالغة سياسية ولكنها منهجية فعلية فالسعودية على المستوى الدولي، ورغم كل التحديات إلا أنها تعتبر ظاهرة مختلفة في السلوك السياسي والتاريخي الدولي، والمكانة التي تمتلكها السعودية لم تأتِ عبر أسلوب الانقضاض المباشر على الموقع السياسي الدولي، بل إنها بنت مكانتها عبر التحولات المتدرجة وقوانين التطورات السياسية المتراكمة مع بعضها البعض. لا أحد ينكر تلمس الاهتمام الدولي بكل دوله الفاعلة للدور السياسي السعودي من خلال فهم دقيق للأسس والقواعد الثابتة للكيفية التي يدار بها النظام العالمي وفهم عميق للاعبين الفعليين في تغيير المسارات الدولية، لقد أثبتت السعودية أنها عامل مهم في المواقع الدولية وخاصة عندما يصاب العالم "بسيولة دولية" كتلك التي نشهد آثارها نتيجة للحرب الروسية - الأوكرانية، السعودية وعبر تاريخها السياسي أثبتت أن لديها القدرة على تغيير قواعد اللعبة السياسية الدولية بالاتجاه المناسب لما يخدم مصالحها ومصالح محيطها الجغرافي والدولي، فالسعودية تدرك أن الانتقال بين فواصل الزمن في تاريخ العالم هي مراحل مهمة تساهم في بروز الكثير من العقبات السياسية، لذلك تدرك السعودية وفقا لتاريخها السياسي أن مسؤوليتها الدولية تتسع بقدر شعورها بدورها الكبير عالميا نتيجة للمعطيات التي تمتلكها وتستطيع من خلالها التأثير في الخريطة الدولية.