في ظل الأزمان السابقة المرهقة منها والمنسجمة والتي أناخت للأزمان القادمة. فتلك الأزمنة من لحاظها وأيامها وأعوامها إلى قرونها العديدة لقد كتبت فصولها منذُ ابتداء التكوين، لا أقول تكوين الكون وإنما تكوين عقل الإنسان، ذلك العقل المتخطي لكل أعراف الحياة، إنه المبجل لدى خالقه والكاشف له عن كل أمور إنسانيته وبيئته الأرضية والمتطلعة إلى نرفانيته الصمدية (بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ ۖ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ )، هي ولاية الحق ولا حق غيرها نابعة من الملكوت الأعلى، جوهر العقل في فعاليته عندما يتحد وينسجم مع عقل الإنسان الكامل الذي يبتر بين الشيئين ويتخلص من وعاء الظلمة، ففي عقله اكتشف الظلام وأبحر في دياجيره إلى أن انبثق له النور، وحين تختلط الأمور وتلتبس على أصحابها يُفتقد النور في الظلمة وتزول البصيرة من عقولهم (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُم إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، النفس لها دورها المحض عندما تتحرر من سلطان العقل تعيش في ظلمة وتنغمر في سواد الأزمنة المهلكة وتحيط بها الأسوار الخاوية تأملاتها كليل البهيم وكسفينة بلا قبطان. فالأمور لا تدار إلا بالعقل الصريح وقدرة الخالق تتجلى بهذا العقل في توازن مستمر (إِنَّ فِي ذلك لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). ولعل هنا يأخذنا الشنآن إلى أقوال أبو البقاء الرندي الشاعر الأندلسي إذ يقول: لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ وإذا كان هذا العالم متبذلًا وفانٍ؛ إذ نقول في هذه الحالة هي حالة صراع متناقض وجدلية دائمة، حتى في أعماق الإنسان ذاته يعيش هذا الديلاكتيك سواء مع نفسه أو جسده الذي يتناقص ونفسه المتغيرة بين آنيةٍ وأخرى. إذا الإنسان لم يحركه شعوره سوف يحركه العالم الخارجي سواء مصلح أو مفسد أو نصوص تحمل بين أسطرها ألوانًا من التطرف والكراهية أو عكس ذلك، ولكم في مواقع التواصل الاجتماعي نظرةً ترون منها العجب. فالحكمة هي الآية الربانية وهي ضالته التي تغذي عقله وتجعله مشكاةً تنيرُ الظلمة وتخرجنا من الكهف، فهذه الحكمة أو لنقل الفلسفة عندما تتمازج مع روح العقل سوف تحلق بكل تأكيد إلى أسفارٍ متعالية عديدة، نعرف أسبار الكون ونفهم ماضيه قبل الشروع في مستقبله، والأهم من كل ذلك نعرف أسفار العقل بماذا يفكر؟ وهذا في حالة انطلاقته من كل القيود، فهو قوة من قوة الله آية من آياته، فهذا اللوغس الكامن فينا هو تعبيرٌ عن وحدة كونيةٍ وجودية، كائنٌ لا أقول خارجي وحسب بل شاملٌ كل منظومتنا التي تحيط بنا من كل جانب، وإذا كانت السماء لها نرفانيتها فالعقل كذلك، فلو شاهدت القمر في كبد السماء ضاويًا ومعه الكواكب والأنجمَ لرأيت العالم عالمين نورٌ وظلمة، ليس بمقدورك أن ترَ ذلك في النهار، وهنا تكمن فائدة الظلمة لكي تعرف العوالم التي تطلق شرارتها إلى عقلك بواسطة نورها المشع في ارجاء الكون، ومن هذا التجلي تكتمل وحدة الوجود بين عقلك والعقل المتخطي لكل العوالم مكونةً رحلة التخاطر والتخاطب بين الصورة والواقع، وبين العالم والعالم الآخر، بين ما نراه وما لا نراه.