في دياجير الشوق زورقٌ من النجاة يتكلل بالأزاهير والأنوار المبهجة لصاحبها، وهي بلا شك ينبوع الأمل، والقدرة على الاستزادة الواضحة والبينة على الصمود والدفاع عن جوهر الأشياء التي تنبئنا عن إنسانيتنا في اتجاه أنفسنا وأن نخلص لعالمنا هذا. وأن نكون على دراية كاملة بما يجري من براثن تجشم معارفنا. هذه هي حياتنا باختصارٍ شديد، ننقشها بهذه العبارات القصيرة وما مدى معرفتنا الحقة بما تؤول إليه المعارف العقلية والنقلية؛ سواء من تراثنا القديم أو الحديث الذي يتماشى مع حداثتنا الآنية. (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ) إذ هناك جهلٌ وظلمة تولّجت في العلوم والأنوار، وهذه المعارف والأنوار بدورها تُدلج وتتداخل في الجهل والظلام، أي كل شيءٍ يحمل في أحشائه بذور بدايته ونهايته؛ وكأنها دائرة تُدار في لهب المكان على إيقاعات الزمان. كل شيء يندثر ويخرج من هذا التدثر؛ الحياة بمعناها العام، كأننا في مسرحٍ من الخلود انهمرنا في جنانِها ودياجيرها الساترة لمقاصدنا وخيالنا وحتى ظواهرنا التي طالما تكشف لنا عن مسائلٍ نتجاهلها أحيانًا وأخرى نعرفها معرفة اليقين. إنها رحلة الموت والحياة سفرٌ بين أعتاب الكون، وما الكون الذي نحن فيه؛ ما هو إلا كونٌ خرج من رحمِ كونٍ آخر اندثر كما اندثرت الشجرة في باطن الأرض لتخرج منها بذرة الحياة نحو شجرةٍ جديدة تشبه هيولتها (أصلها) في الصفات. الحاضر يأخذ من الماضي والماضي لا يموت ميتةً كلية، وإنما تشخص وتجلى بصورةٍ جديدة؛ مغايرة عن صورته القديمة وتغيرت معالم طبيعته الهيولانية وتمخضت بعقلٍ جديد. أهي أضدادٌ تلك المثاني أم نقائض؟! كلا، لا هذه ولا تيك، وإنما هي دائرة تدور حول محورها تجمع الشيء وضده والشيء ونقيضه فكل هذه المثاني في هذه الدائرة، ولكن يكمن السؤال حول المبتدأ؛ أي نقطة البداية؛ أهي غائرةٌ في عقل الكون (النوس) أو الكلمة الخارجة من (اللوغس)؟ هي روحٌ كونية كُلية أسمى من كل شيء، تبدأ منها الأشياء وتنتهي إليها، ألم أقل لكم إنها دائرة! وحدةٌ وجودية منسجمة ومتجانسة مع بعضها تنسخ ذاتها. فطبيعة الموجودات ذواتٌ معقولة؛ لأنها تخضع لقانون الحركة، الذي أنبثق من المسبب، الذي أدلج الليل والنهار في بعضه، وأخرج الشيء من العدم؛ والعدم موجودٌ في أصله ولكنه أثيرٌ؛ كي يمهد وجوده الآخر الذي سيتجدد في زمنٍ آخر ومكانٍ آخر. فهذه أسفارٌ من الأدنى إلى الأعلى ومن الجهل إلى العلم ومن الباطل إلى الحق، وعندما تنكشف لك الأنوار ستسافر من الحق إلى الحق.