في ظلال طريقكَ تطوف بك الحياة وتختلجكَ ألف ذكرى في شهوركَ ودهوركَ وتحسب أيام السنين وينقضِ العمر بلا جدوى تجدها أدلجت بك، فلا تبتئس هذه هي الحياة انزوت بشنآنها على كل ذي صاحب بأسٍ شديد، أفي ذلك ريب؟ وفيكَ انطوت اللحظات وعشت في دياجيرها وآلامها وشقائها. لتكن أنت المعني في فهم الحياة وتفاصيل فلسفتها: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء). كافح من أجلها وأجعل هذه المشيئة تتكور بعقلك وتعيش في لحاظها وأنوارها، فعبقرية الوجود أن تعرف ذاتك من ذاتك تظهر هي دعوة لتكون إنسانًا مخلصًا لإنسانيتك. حكم عقولكَ فالعقول كثيرة واختر هنا أو ها هنا فهنالك عقلٌ ينتظرك هُنيهة يقع الاختيار والتطابق وأن يكون في أجلها وأعظمها شأنًا وأعقلها عقلًا ومن ذا الذي يؤتِ بتلك الأنوار ينكشف له الطريق ويستخرج ما بطن من خلال الصور، إنها الحكمة تشرق من فضائها إلى فضاءٍ آخر( وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) هي الشعلة التي تشرق في دروب معارفك، وهل هناك أفضل من طريق المعارف وتسلك مسالكها؛ فطريقكَ مليءٌ بالنتوءات، ولكن بشعلتك تتجاوزها وتمشِ حتى إلى الضفة الأخرة. فهذه أسفاركَ إذ عليك معرفة جميع الحقائق الصغيرة لتصل إلى أكبرها، وهي نفسك؛ ذاتكَ العظمى المتصلة بعالم المُثل (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) أصحاب القوة العقلية والمبصرة المتطلعة إلى جمال الروح ووصفاء القلب من كل نزواته جاعلًا من النفس في رياض اعتدالهِا. فجميعها عقول ففي اتزانها يظهر الإنسان الكامل، فظاهره هو باطنه إذ يكون هو عُين ذاته في كل فتراته الزمنية؛ حكيمًا فيلسوفًا عادلًا مع الآخرين كما هو مع نفسه، لا يخفِ شيء ولا يبطن شيء عالمًا رياضيًا يزداد علمه من خلال التواصل مع الآخر وإن اختلف عنه ذلك الآخر أزدادَ تواضعًا وتماثلًا له. فقاطرة الأزمان لا تكون إلا على هذا النحو قبول الآخر واحترام رأيه هي الحكمة بعينها. وما التوترات إلا محطات نقف بها قليلًا لالتقاط الأنفاس بين أضدادها ومن ثم مواصلة الحياة. جلدٌ كلها الأزمان وإن اختلفت الأجيال ففي كل جيلٍ يعرف ما قبله ويتعلم من سلفه. فالتعليم أولهُ صعب وأوسطه تعبٌ وأخره فنٌ واتقان لأن الحكمة تجلت في روحه أي في روح هذا الجيل عند اختيار قوانينه المعتدلة واحترامها يكون هو جيل القدوة للأجيال اللاحقة ويكون التاريخ في صحبته ومعيته ذاكرًا أفعاله وفلسفته. فالأنظمة والقوانين ليست اختراع أو تأليف وإنما كامنة في الطبيعة البشرية وفي الحياة الفطرية فهو يكتشفها عندما يحتاجها ويبحث عنها فأيما وجدها لا يطبقها إلا بحكمة القاضي وفلسفة العاقل ويضعها في موضع الحق. هكذا تتجلى الأبصار بكامل عنفوانها.