تأسرني الكتابة إليك يا وطني، وأحسّ بشيء من الفخر والاعتزاز حين أكتبُ عنك، وأشعر بشيء من التقصير حين أحاول أن أبوح لك بما في النفس من الحب والامتنان، والوفاء، والعرفان، الكتابة عن الوطن شيء عظيم، وحين تكون الكتابة عن وطني المملكة العربية السعودية فإن الأمر أعظم. وطنٌ لا يشبهه وطن، هو قبلة المسلمين، وأرض خير الأنبياء، وسيد المرسلين، أرض نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الطاهرين، ومن تبعهم من التابعين، أرض البطولات، ومهد الحضارات، وموئل الثقافات، ومنبع اللغات واللهجات، وأصل العروبة، والعلوم، والمعارف، بلد الخيرات، الذي عمّ نفعه القريب والبعيد، وذاق من فضله القاصي والداني، بلد السلام، ودار الكِرام، أرض آبائنا والجدود، وحكّامنا الأماجد من آل سعود؛ فكم أنت عظيم يا وطني. ولو تأملنا ما كُتِب عن الوطن منذ القديم لأدركنا قيمة حب الوطن، ومعنى الوفاء له، والانتماء إليه؛ ولهذا قال أحدهم: «بلد لا تؤثر عليه بلداً، ولا تصبر عنه أبداً»، وقال آخر: «من لطف النفس أن تكون إلى مولدها مشتاقة، وإلى مسقط رأسها تواقة»، وقال بعض الحكماء: «حرمة بلدك عليك كحرمة أبويك؛ إذ كان غذاؤك منهما وغذاؤهما منه»، وقال آخر: «أرض الرجل ظئره، وداره مهده. وأحب البلدان بالتوق إليه بلد منحك حليبه رضاعة»، وقال آخر: «إذا كان السبع يحنُّ إلى أوطانه، فالإنسان أولى بالحنين إلى مكانه»، بل ربط بعضهم حب الوطن بالعلاج والتداوي، يقول بقراط الحكيم: «فطرة الإنسان معجونة بحب الوطن»، وكان يقول: «يغذى كل عليلٍ بأطعمة أرضه، فإن النفس تتطلع إلى غذائها». إن حبَّ الوطن أمرٌ فطريّ في الإنسان، وهو حبٌّ جِبلّيٌّ، سُئِل أعرابي عن بلده فقال: «كيف لا أشتاق إلى رملة كنت رضيع غمامها، وربيب طعامها»، وسُئِل آخرُ عن بلاده، فقال: «ما نريد بها بدلا، ولا عنها حولا»، وقالوا: «إذا أردتَ أن تعلمَ وفاءَ الرجلِ ودوامَ عهده، فانظر إلى حنينه إلى أوطانِه، وتشوّقه إلى إخوانِه، وبكائه على ما مضى من زمانِه»، وقيل في الأمثال: «عمر الله البلدان بحب الأوطان»، وقال جالينوس: «يتروّح العليل بنسيم أرضه، كما تتروّح الأرض الجدبة ببلّ المطر»، وقيل: «احفظ أرضاً أرسخك رضاعُها، وأصلحك غذاؤها»، وقال بعض الحكماء: «عسرك في بلدك خير من يسرك في غربتك»، وقال الآخر: «لا تنهض عن وطنك ووكرك فتنقصِك الغربة، وتصمِتك الوحدة»، وكان يقال: «الغريب عن وطنه، ومحل رضاعه: الذي زايل أرضه، وفقد شربه، فهو ذاوٍ لا يثمر، وذابل لا ينضر». إن على الذين يحبون أوطانهم أن يكونوا مُقدّرين لأرضها، وترابها، وأهلها، وحكّامها، وأمرائِها، وعلمائِها، ومنجزاتها، ولكل شيء يدعو إلى الفخر بها، والامتنان لها، والحنو عليها، والوقوف معها، وعلى أولئك الذين يحبّون أوطانهم أن يُترجِموا هذا الحب بالإخلاص للوطن، والدفاع عنه، وحب قيادته، وإعلاء كلمته، والعمل على كل ما يؤدي إلى رفعته، ويرفع من منزلته، ويسمو بمكانته، ويحقق أهدافَه وغاياتِه؛ فأدام الله مملكتنا شامخة سامقة، آمنة مطمئنة، وحفظ الله مليكنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ال سعود، وقيادتنا العزيزة، وحكومتنا الرشيدة، وشعبنا الحبيب، وكل عام أنت بخير يا وطني.