رؤية 2030 أبهرت العالم في فترة زمنية وجيزة ووثابة كخُطَى أبنائها المخلصين، والمتسابقين في الإنجاز، حتى أصبحت أعناق العالم الآن تشرئب طولًا أملًا في الوصول إليها وإلى ما هي عليه الآن، نظرًا لما أحدثته من هذا التطور والحديث في جميع المسارات سواء كانت اقتصادية، اجتماعية، علمية، تكنولوجية، ثقافية، وفنية، وما صاحبها من تغير في أنماط السلوك والمعيشة والفكر، وهذا أهم ما في الأمر.. إلى كل حبة رمل.. تنتظر بشوق عذب الماء يتفجر.. لتصبح لوناً أخضر، يتشكل فوق علم بلادي. كانت هذه الكلمات المفتاحية هي التي تصدرت موسوعتي (الجزيرة العربية، الهوية المكان والإنسان). فلم تكن هذه العبارات مجرد عاطفة يسوقها الشوق، وإنما لما وجدته في هذه البقعة والمملكة العربية السعوية بشكل خاص كأكبر رقعة احتواها المكان، ولما نضحت به كمهد للحضارة الإنسانية، ولما وجدته في عيون المستشرقين وفي أبحاثهم العلمية، ولملامحها القبلية المشكلة للإنسان نفسه وللإنسانية أيضا، بأبنائها، وسيداتها، ومن عاداتها الاجتماعية وإبداعاتها القولية، ومعارفها الشعبية، وثقافتها المادية والتي نضحت به تلك الصفحات فيما يربو على الف وأربع مئة صفحة في بحث علمي وأكاديمي شديد الموضوعية. إن هذه الرحلة الطويلة بين مئات الصفحات من المخطوطات والكتب التراثية والدراسات العلمية الأجنبية منها واالعربية، جعلتني أتجول فيها، بتاريخها الآركولوجي، وبوهادها، ورمالها ومدنها وقراها وفنونها، فيداعب عبق الأجداد أنفي وتنزلق أمجادهم إلى عمق وجداني، وكأنني طائر الرُخ المحلِّق، ولكنه طائر سرمدي عبَر كل الأزمنة لهذه البقعة النفيسة على وجه الأرض. وبخيال محلِّق عبر صفحات بكل ألوان الطيف، أقاوم رياحها العاصفة وتحرك كثبانها، ويشتد بي العطش، فألثم ثراها فتنتابني نشوة عميقة من الطاقة المُلِّحة على أن أكمل الطريق، فأشعر بالارتواء، رغم دهاليز مساراتها الصعبة كزغب الحبارى، حينما يتبادر لها زغب صغير فتحاول الطيران لأول مرَّة، فتطير بشوق ولهفة، إلاَّ أنها لا تحلق إلاَّ بضع خطوات؛ ولطالما تمنَّى الفرد منَّا الطيران ولو للحظات، ليرى منظراً أوسع وأشمل لهذه الجزيرة العربية -بشكل عام وللمملكة العربية العودية كأكبر مساحة في وطننا العربي اليوم- وأمجادها، التي قال عنها (ويلفريد ثيسيجر Welfred Patrick Thesiger 1910-2003): "لقد كنت أفكر في أثر العرب على التاريخ العالمي، لقد فرض أعراب الجزيرة ميزاتهم وخصائصهم وتقاليدهم على الجنس الغربي كله، فالعادات والمعايير التي شملت جزءاً كبيراً من العالم، كانت كلها قادمة منها".. ثم يعرض ويلفريد بعد ذلك لها مساحة من التأمل والفهم سعياً للوقوف على المسار الحضاري الذي عاشتها هذه الأمة، وتحديد ملامحها في كتابه الرمال العربية. هذا بالإضافة إلى ما اعتنى به عالم الآثار والباحث الأمريكي (بيتر كورنول) والذي حضر إليها عام 1940 وقام بالتنقيب في تلال عالي، وكذلك في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية بهذا الخصوص في الخمسينيات من القرن الماضي باكتشاف حضارة "الدلمون" التي تقع على الساحل الشرقي للجزيرة العربية حتى منتصفها إلى ما بين النهرين حتى عُمَان، كما أوردها في أطروحته لنيل درجة الدكتوراه من جامعة هارفرد بعنوان "الدلمون" بعدما تأخر اكتشاف هذه الحضارة في هذه المنطقة وتوالى عليها المنقبون الدنماركيون والأمريكان وغيرهم. فالحصول على دليل لوجود مستوطنة كان عمرها أربعة آلاف عام أو أكثر أمر ليس باليسير، فقد تم ذلك من خلال الحفريات التي أجريت من خلال العثور على أدوات كان يستخدمها الإنسان في ذلك الوقت كالأختام ومتاع القبور، ومن خلال أنماط العمارة. ولعل تحليل بقايا العظام والهياكل العظمية تحدد عمر الموتى والمواقع نفسها. حتى توصل الباحثون إلى نتيجة مهمة مفادها وجود أكبر مقبرة في فترة ما قبل التاريخ، وما صاحبتها من حضارة. فهذا الفضاء الشاسع من المدافن وطريقة بنائها لابد أنه كان تعبيراً عن ممارسات طقوسية وعقائدية سائدة آنذاك بأن هذه البقعة هي أطهر بقعة على وجه الأرض، ولذا يذهبون بموتاهم ليدفنوهم هناك بحسب عقيدتهم السائدة آنذاك، كما كانت جزءًا من ثقافة حضارة إنسانية سالفة الذكر. كل هذا وذاك -فيما لا يتسع له هذا المقال- حتى جاء الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- برجاله وبعبقريته وفهمه، لما ستكون عليه المملكة بعين ثاقبة ترى مكانة هذه البقعة النفيسة على وجه الأرض بعد مئات السنين، فاستشرف المستقبل ورسم خُطَاه بعبقرية الشخصية في الزمان والمكان، حتى أكمل أبناؤه المسيرة في الرأي والرؤية، لتصبح الآن منافسا على مضمار واحد في مصاف الدول العظمى، وذلك على يد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- وبرؤية 2030 التي أبهرت العالم في فترة زمنية وجيزة ووثابة كخُطَى أبنائها المخلصين، والمتسابقين في الإنجاز، حتى أصبحت أعناق العالم الآن تشرئب طولا أملا في الوصول إليها وإلى ما هي عليه الآن، نظرا لما أحدثته من هذا التطور والحديث في جميع المسارات سواء كانت اقتصادية، اجتماعية، علمية، تكنولوجية، ثقافية، وفنية، وما صاحبها من تغير في أنماط السلوك والمعيشة والفكر، وهذا أهم ما في الأمر. ففي الفترة -التي تعد لحظة خاطفة في عمر الزمن- وجدنا هذا النجاح المأمول والمنشود والذي كان الهدف الأسمى، وهو تغيير نمط الحياة لدى المواطن السعودي في ربط جليل مع ما سقناه في بداية هذه السطور من تاريخ، وحضارة، وتراث، وعادات وتقاليد، ومعارف شعبية ومادية وبعقيدة سمحاء نبعت من هذه الأرض، وما نضحت به تلك الموسوعة من علوم ومنهج حياة وميراث إنساني يجُبُ كل المناحي المحلية والإقليمية والعالمية، وبين ما أحدثه هذا التطور وهذا الحديث في كل مناحي الحياة برفاهية عالمية منقطعة النظير. إن هذا الربط بين هذا وذاك فيما أسلفنا، هو ذلك الجين الأساس لهذا التطور ولهذه النهضة المجيدة، التي نحياها اليوم ونحتفل جميعا فيها وبها باليوم الوطني الذي وضع له البذرة الأولى بعبقرية فذة فاقت كل الحدود عبقرية خالد الذكر جلالة الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- ومسيرة الأبناء والأحفاد على خط العهد والوعد حفظهم الله جميعا وحفظ بلادنا منارة منيرة للعالم أجمع.