نتواصل كل لحظة ودقيقة، بوسائل مباشرة وغير مباشرة، والحقيقة أننا تواصلنا غير المباشر يطغى على غيره، وإحدى أخطر تلكم الوسائل تأثيراً هي: "الرسائل الاتصالية المبطنة". هذا النوع من الرسائل يحتوي على نوايا خفية أو معانٍ مستترة، لا تُعبر عنها الكلمات أو حتى لغة الجسد بشكل مباشر، ونتعمد استغلالها لتمرير فكرة أو موقف معين دون الإفصاح عنه بوضوح، مما يحدث أثراً من الصعب الوصول له مباشرة، لكنه -أيضاً- على الجانب الآخر قد لا يحقق هدفه المأمول، نظراً لأنه يفسح المجال لتفسيرات متعددة، بناءً على سياق التواصل، أو الخلفية الثقافية للمستقبِل. هناك عدة أساليب ووسائل لإيصال الرسائل المبّطنة، قد تكون مباشرة أو عبر وسيط، ومنها: * التلميح: حينما يشار إلى شيء معين بشكل غير مباشر، مثل يخاطب الصديق صديقه: "يبدو أنك مشغول جداً هذه الأيام"، وهو يقصد فعلياً تجاهل صديقه لاتصالاته! * السخرية: عبر التعبير عن عكس ما يُقصد تماماً، مثل الثناء على أداء شخص قام بعملٍ سيئ، وهو ما يستخدم كثيراً في إعلانات السخرية من المنافسين. * التحذير غير المباشر: قد يُستخدم لتوجيه شخص ما دون مواجهته بشكل مباشر، مثل الحديث عن ظاهرة تأخر بعض الموظفين في ظل وجود المتأخرين أنفسهم! دون توجيه الحديث لهم مباشرة، مصداقاً للمثل الشهير: "إياك أعني واسمعي يا جارة". * التعبير البلاغي: مثل استخدام الاستعارات أو الرموز التي تحمل معاني خفية، ليُفهم القصد من السياق، إذ بدلاً من أن تشير إلى الأداء الضعيف في اجتماع عصفٍ ذهني، تقول إن الرياح لم تكن مواتية في بحر الأفكار. * الإيماءات غير اللفظية: مثل النبرة، تعابير الوجه، أو لغة الجسد التي ترافق الكلام، إذ إنها تعزز معاني إضافية غير مذكورة صراحة، أو تكون معاكسة لما يقال؛ وهي الرسالة الأهم! وحتى ينجح تواصلك "المبطّن"، لابد من الحرص على تنمية مهارة "الذكاء العاطفي"، عبر إدراك مشاعر الآخرين ومراقبة ردود فعلهم، وتطوير القدرة على التعاطف وفهم ما بين السطور، أيضاً تحسين التحكم في نبرة الصوت ولغة الجسد، وكذلك تطوير مخزون الاستعارات والتلميحات، حتى تستخدمها في الوقت المناسب. الرسائل المبطنة قد تكون وسيلة تواصل استراتيجي فعالة، حيث تسمح بنقل أفكار معينة دون الحاجة إلى المواجهة المباشرة أو التصريح الواضح، وتستخدم غالباً على مستوى الأفراد، وعلى نطاق ضيق في مستوى المنظمات، نظراً لمخاطرها التواصلية، إذ قد تؤدي إلى سوء الفهم إذا لم تُفسر بشكل صحيح. وبقدر قدرة التواصل المبطّن من تحقيق الأثر دون الدخول في مواجهات وإحراجات؛ بقدر ضرورة الحذر قبل ممارسته أو الإفراط فيه، إذ قد يقود إلى نتائج كارثية، يكون من الصعب تجاوزها.