إن نيل شرف خدمة الوطن يتطلب الوفاء بالواجبات الوطنية العظيمة التي نصَّت عليها الأنظمة والقوانين الصَّادرة من الدولة، وإذا كانت الواجبات الوطنية العظيمة تتعدد وتتنوع بحيث تشمل جميع المجالات، فإنه يأتي على رأسها خدمة المصالح العليا والعامة للوطن والمواطن، والدفاع عن الوطن بما يُعزز أمنه واستقراره.. الوطن، كلمة عظيمة يدرك عمق معناها كل من يعيش في رخائه وأمنه واستقراره. والوطن، كلمة عظيمة يلمس حقيقتها كل من يستمتع بخدماته المتميزة والمتنوعة في كل المجالات وعلى جميع المستويات. والوطن، كلمة رفيعة وسامية وجليلة بحيث لا يمكن حصرها بالثروات المادية، والحدود الجغرافية، ونوعية تعاملاته الدولية. والوطن، كلمة جامعة لجميع المعاني النبيلة التي ترتقي بكرامة الإنسان وتعلو بمنزلته وتسمو بمكانته بين الأمم، فإذا كان الوطن بهذه المعاني العظيمة والعميقة والسَّامية، فإن خدمة هذا الوطن شرف عظيم يتطلع لنيله كل مواطن مُخلص لدينة وقيادته، وهذا الشرف العظيم الذي يتطلع لنيلة كل مواطن مُخلص لدينه وقيادته لا ينحصر بمجال محدد، ولا يقتصر على مستوى معين، ولا يتحدد بمرتبه بعينها، وإنما تشمل جميع الأعمال الوطنية المدنية والعسكرية، العامة والخاصة، الكبرى والصغرى، بحيث يستطيع نيل شرف خدمته من خلال أداء مهامها والوفاء بمسؤولياتها والقيام بواجباتها بالشكل والطريقة والأسلوب الذي جاءت به الأنظمة والقوانين الصَّادرة من الدولة. فإذا كانت هذه هي الأسس التي يُخدم بها الوطن ويُنال من خلالها شرف تلك الخدمة التي تسمو بمنزلة الإنسان داخل وخارج وطنه، فإن هناك عناصر أخرى مهمة يجب الوفاء بها وأداؤها بالطريقة والأسلوب الصحيح. نعم، لقد جاءت الأنظمة الصَّادرة بما يبين ويوضح الواجبات العامة والمسؤوليات الأساسية التي يجب أن يفي بها كل مواطن يتطلع لنيل شرف خدمة الوطن، وإذا كانت جميع أنظمة الدولة تؤكد على ذلك، فإننا نستطيع القول إن ما تضمنه "النظام الأساسي للحكم" في المملكة العربية السعودية، في مواده، يشمل بدوره جميع أنظمة الدولة بصفته النظام الأعلى. نعم، فقد تضمنت بعض مواد "النظام الأساسي للحكم"، الصادر في 27 شعبان 1412ه، إشارة مُباشرة للواجبات التي يجب أن يعمل عليها ويفي بها كل مواطن في الدولة، ومن ذلك ما تضمنته المادة الثانية عشرة والتي نصَّت على الآتي: "تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام"، وكذلك المادة التاسعة والثلاثون والتي نصت على الآتي: "تلتزم وسائل الإعلام والنشر وجميع وسائل التعبير بالكلمة الطيبة، وبأنظمة الدولة، وتسهم في تثقيف الأمة ودعم وحدتها، ويحظر ما يؤدي إلى الفتنة، أو الانقسام، أو يمس بأمن الدولة وعلاقاتها العامة، أو يسيء إلى كرامة الإنسان وحقوقه، وتبين الأنظمة كيفية ذلك"، وإذا كانت هاتان المادتان تؤكدان بالمطلق على وجوب خدمة الوطن بما يعزز وحدته الوطنية بالطريقة والأسلوب الصحيح، فإن درجة ذلك التكليف والتوجيه ترتفع عندما تكون خدمة الوطن على أعلى المستويات الوطنية. نعم، فإذا كان المواطن، بشكل عام، عليه واجبات عظيمة في سبيل خدمة وطنه والعمل على تحقيق المصلحة العامة والمحافظة على أمن الوطن واستقراره، فإن المواطن المسؤول والمكلف بأعمال كُبرى في الدولة عليه مسؤوليات وواجبات أعظم، ويتأكد ذلك من القسم الذي يؤديه أولئك المُكلفون بخدمة الوطن على أعلى المستويات الوظيفية. نعم، فبحسب نظام مجلس الوزراء، الصَّادر في 3 ربيع الأول 1414ه، فقد نصَّت المادة الرابعة على الآتي: "لا يباشر أعضاء مجلس الوزراء أعمالهم إلا بعد أداء اليمين الآتية: "أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً لديني، ثم لمليكي، وبلادي، وأن لا أبوح بسر من أسرار الدولة، وأن أحافظ على مصالحها وأنظمتها، وأن أؤدي أعمالي بالصدق والأمانة والإخلاص". وعلى المستوى نفسه، جاء نظام مجلس الشورى، الصَّادر في 27 شعبان 1412ه، مؤكداً على وجوب الوفاء بخدمة الوطن بما يحقق المصلحة العامة للوطن والمواطن، ومن ذلك ما جاء في المادة الحادية عشرة والتي نصها: "يؤدي رئيس مجلس الشورى، وأعضاء المجلس، والأمين العام، قبل أن يباشروا أعمالهم في المجلس، أمام الملك، القسم التالي: (أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً لديني، ثم لمليكي، وبلادي، وأن لا أبوح بسر من أسرار الدولة، وأن أحافظ على مصالحها وأنظمتها، وأن أؤدي أعمالي بالصدق والأمانة والإخلاص والعدل)". نعم، إن نيل شرف خدمة الوطن يتطلب الوفاء بهذه الواجبات الوطنية العظيمة التي نصَّت عليها الأنظمة والقوانين الصَّادرة من الدولة، وإذا كانت الواجبات الوطنية العظيمة تتعدد وتتنوع بحيث تشمل جميع المجالات، فإنه يأتي على رأسها خدمة المصالح العليا والعامة للوطن والمواطن، والدفاع عن الوطن بما يُعزز أمنه واستقراره، وتمثيل الوطن في الداخل والخارج بالطريقة والأسلوب الصحيح، والوقوف بحزم في وجه أصحاب الأهواء والفتن والضلال السَّاعين لتفتيت اللحمة الوطنية وشق الصفوف، ومساندة الجهود الوطنية التي تقوم بها الجهات المسؤولة لمواجهة المُتآمرين على الوطن وأمنه واستقراره، والمُحافظة على المال العام بتطبيق الأنظمة والقوانين المتعلقة بذلك، والحرص على تطبيق ما نص عليه النظام الأساسي للحكم من حيث العدالة والمساواة التي كفلتها الدولة، وذلك كما جاء في المادة الثامنة ونصها: "يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل والشورى والمساواة، وفق الشريعة الإسلامية". وفي الختام من الأهمية القول إن نيل شرف خِدمة الوطن يتجاوز في مفهومه أداء اليمين الذي نصَّت عليه الأنظمة والقوانين ويتعادها إلى العمل والوفاء بما جاءت به الأنظمة والقوانين الضَّامنة لتحقيق العدالة والمساواة، والهادفة لخدمة المصلحة العامة والعليا للوطن والمواطن. نعم، إنه الوطن العظيم الذي يستحق من جميع أبنائه الوفاء تجاه ما قدمه لهم من رخاء ورفاه وأمن واستقرار على جميع المستويات وفي كل المجالات.