إن خطر المُفسدين فكرياً عظيم جداً على أمن وسلم واستقرار المجتمع كونهم يعملون على توجيه أبناء وبنات المجتمع من خلال مواقعهم العملية التي تتيح لهم توجيه خطاباتهم الهدامة للنشء من أبناء وبنات المجتمع بهدف تنشئة جيل سلبي تجاه وطنه وقادته والمواطنين المخلصين الساعين لبناء الوطن وتنميته وتطويره.. نعم، جهود عظيمة ومتميزة ورائدة على المستويات الدولية والعالمية تلك التي قامت بها وبذلتها المملكة العربية السعودية في سبيل تعزيز الرقابة ومكافحة الفساد عبر مؤسساتها وأجهزتها الرسمية، وهذه الجهود العظيمة والمتميزة والرائدة تقوم في أساسها على أنظمة وقوانين ولوائح صادرة ومُعتمدة من الجهات العليا في الدولة بعد أن بذلت في سبيل بنائها وإعدادها وصياغتها جهوداً عظيمة من خلال الموارد البشرية الوطنية المؤهلة تأهيلاً علمياً وفكرياً وقانونياً واجتماعياً ونفسياً وإدارياً وأمنياً، وفي غيرها من مجالات عديدة ومختلفة ومتنوعة تميز بها وأبدع فيها أبناء المملكة العربية السعودية على جميع المستويات الدولية والعالمية. وإذا كان تاريخ هذه الجهود العظيمة في سبيل تعزيز الرقابة ومكافحة الفساد تعود بناء للسنوات الأولى التي تأسست عليها المملكة العربية السعودية على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود –طيب الله ثراه–، فإن ذلك التاريخ المُشرف الذي انتهجته الدولة الكريمة في سبيل تعزيز الرقابة ومكافحة الفساد تم تتويجه باعتماد نظام هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود –حفظه الله-. نعم، ففي جلسة مجلس الوزراء التي رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود –حفظه الله– في 17 محرم 1446ه، الموافق 23 يوليو 2024م بمحافظة جدة (واس)، جاء الآتي: "واطلع مجلس الوزراء، على الموضوعات المدرجة على جدول أعماله، من بينها موضوعات اشترك مجلس الشورى في دراستها، كما اطلع على ما انتهى إليه كل من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ومجلس الشؤون السياسية والأمنية، واللجنة العامة لمجلس الوزراء، وهيئة الخبراء بمجلس الوزراء في شأنها، وقد انتهى المجلس إلى ما يلي: أولا: الموافقة على نظام هيئة الرقابة ومكافحة الفساد"، وحيث إن هذه الموافقة على نظام هيئة الرقابة ومكافحة الفساد تمثل نقلة نوعية ومتميزة في مجال تأصيل العمل المؤسساتي، والالتزام بتطبيق الأنظمة والقوانين واللوائح بكل حزم، فإنها في الوقت نفسه تعزز مكانة المملكة العربية السعودية على المستويات الدولية والعالمية بحيث تكون واحدة من أكثر دول العالم جذباً للاستثمارات الدولية والعالمية، ومكاناً جذابًا لإقامة أعظم الفعاليات الدولية والعالمية، وهذا الذي تستهدفه "رؤية السعودية 2030" بأهدافها السَّامية والهادفة لجعل المملكة العربية السعودية من أكثر دول العالم نمواً اقتصادياً وصناعياً واجتماعياً وتقنياً. وإذا كانت هذه الخطوات العظيمة تحسب للمملكة العربية السعودية كونها أصبحت واحدة من أكثر دول العالم في مجال تعزيز الرقابة ومكافحة الفساد –خاصة في مجال مكافحة الفساد المالي والإداري–، وإذا كانت هناك خطوات عظيمة بذلتها المملكة العربية السعودية في مجال مكافحتها للأفكار المُتطرفة المُحرضة على الإرهاب والدمار الخراب، وحسب لها على جميع المستويات الدولية والعالمية، حتى أصبحت رمزاً عالمياً في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف وكل ما يؤدي إليه، فإن هذه الجهود العظيمة والمستمرة في سبيل بناء وتنمية وتطوير الوطن، وخدمة الأمن والسلم والاستقرار الإقليمي والدولي والعالمي، تستحق من الجميع استمرارية الدعم والمساندة والتعاون مع مؤسسات وأجهزة الدولة المعنية لتتواصل جهود مُكافحة المُفسدين لأفكار وعقول أبناء الوطن –بنين وبنات– ومُعاقبة المُحرضين ضد الوطن والسّاعين لتشويه صورة أبنائه الكرام من المواطنين المخلصين. نعم، قد تكون مكافحة الفساد المالي والإداري مسألة غاية في الأهمية، وقد تكون محاربة التطرف والإرهاب مسألة عظيمة وغاياتها أعظم، إلا أن مكافحة الإفساد الفكري لأبناء الوطن مسألة –إن لم تتساوَ مع مكافحة الفساد المالي والإداري– فإنها تفوق في أهميتها ذلك، لأن إهمال مكافحتها يؤدي بالضرورة لتصاعد في نسب الفساد المالي والإداري، ويتسبب حتماً بالانحرافات الفكرية المؤدية للتطرف السلوكي بين أبناء المجتمع تجاه الوطن والمواطن المُخلص لوطنه وقادته الكرام. نعم، قد يقول البعض إن مكافحة الفساد المالي والإداري لها معايير واضحة وسهلة يمكن الأخذ بها وتطبيقها لمعرفة من يمارس هذه السلوكيات من الفساد، وقد ينطبق هذا القول على من يمارس التطرف الفكري والإرهاب بحكم الانتماء للجماعات والتنظيمات والميليشيات والنظم السياسية المُصنفة دولياً بأنها متطرفة وإرهابية، وفي الوقت نفسه قد يقول هؤلاء وغيرهم أنه لا يمكن مكافحة المفسدين فكرياً انطلاقًا من عدم وجود معايير يمكن تطبيقها لتصنيف من هو المُفسد فكرياً. وإذا افترضنا أن مثل هذا القول موجود، فإنه حتماً قول مضلل هدفه الصمت عن هؤلاء المفسدين فكرياً، وحجب الآخرين من أبناء المجتمع عن رؤية أهدافهم الهدامة وغاياتهم التخريبية تجاه الوطن وأبنائه المُخلصين. نعم، إن المجتمع القوي الذي استطاع وضع معايير لمكافحة الفساد المالي والإداري، وإن المجتمع الصلب الذي استطاع وضع معايير لمحاربة التطرف والإرهاب بشتى صوره، قادر –بجهود أبنائه الكرام ومؤسسات وطنه الأصيلة– على وضع ما يناسب من معايير، وما يراه من عناصر، تمكنه من مكافحة المُفسدين فكرياً بكل حزم وقوة وصلابة. نعم، وإذا كان وضع المعايير والعناصر الهادفة لمكافحة المفسدين فكرياً مسألة تتعلق بأصحاب الاختصاص في المجتمع، فإن هناك معايير عامة يمكن للجميع القياس عليها عند النظر لمعرفة من هم المفسدين فكرياً. نعم، إن المفسدين فكرياً، أو المفسدين لأفكار وتوجهات أبناء وبنات الوطن، يمكن الاستدلال عليهم من لُغتهم التحريضية تجاه الوطن والقائمين عليه سعياً منهم لصرف أبناء المجتمع للاتجاهات المُعاكسة لرؤية الوطن وجهود مسؤولية الكرام، ويمكن معرفتهم من سلوكياتهم السلبية القائمة على القدح والذم والطعن بأمانة المُخلصين من أبناء الوطن، ويمكن معرفتهم من سعيهم المستمر لإثارة وإشعال وتأليب الرأي العام بشتى الطرق والوسائل بهدف تهييجه ضد الإنجازات والمنجزات الوطنية المتحققة، ويمكن معرفتهم من خلال لغتهم المثبطة والسلبية الهادفة لتشويه صورة المواطن المخلص لقادته ووطنه، ويمكن معرفتهم من أحاديثهم وأساليبهم الخطابية القائمة على الكذب والتدليس والغيبة والنميمة بهدف التقليل من قيمة المواطن المخلص والإنجازات الوطنية، ويمكن معرفتهم من تصرفاتهم العدوانية والتحريضية تجاه أبناء الوطن المخلصين وتجاه كل من لا يؤمن بأفكارهم الهدامة. وفي مقابل هذه السلوكيات والتصرفات والأساليب الهدامة التي يمارسها المُفسدون فكرياً، نجدهم يبذلون الجهود المتواصلة لتزيين وتحسين صورة أعداء الوطن في نظر أبناء المجتمع، ويعملون على تشجيع أبناء وبنات الوطن على اتباع الأعداء والخونة رغبة منهم على إحداث الوقيعة والفتنة بينهم وبين وطنهم وقادتهم والمواطنين المخلصين. نعم، إن خطر المُفسدين فكرياً عظيم جداً على أمن وسلم واستقرار المجتمع كونهم يعملون على توجيه أبناء وبنات المجتمع من خلال مواقعهم العملية التي تتيح لهم توجيه خطاباتهم الهدامة للنشء من أبناء وبنات المجتمع بهدف تنشئة جيل سلبي تجاه وطنه وقادته والمواطنين المخلصين الساعين لبناء الوطن وتنميته وتطويره. نعم، وفي الوقت الذي تنبهنا وتحذرنا فيه الأحداث الدولية القريبة والبعيدة من خطورة المفسدين فكرياً على أمن وسلامة واستقرار المجتمعات، فإن الدين الإسلامي العظيم –بما ورد في القرآن الكريم، وما جاءت به السنة النبوية المطهرة الثابتة والصحيحة– حذر من عِظم خطورة الفساد والمفسدين، ووجه بأهمية معاقبة كل من يفسد ويسعى للهدم والخراب. ومن ذلك ما جاء في الآيات القرآنية الكريمة، ومنها قول الله تعالى: "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام (204) وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد (205) وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد (206)" سورة البقرة. وقوله الله تعالى: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلافٍ أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم (33)" سورة المائدة. وقول الله تعالى: "ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين (85)" سورة هود. وقول الله تعالى: "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين (77)" سورة القصص. وفي الخِتام من الأهمية القول إن مُحاسبة المُفسدين لِفكر وعقول النشء من أبناء وبنات المجتمع، ومُعاقبة المُحرضين السَّاعين لتشويه صورة الوطن ومنجزاته العظيمة ومواطنيه المخلصين، تساوي –أو تفوق في أهميتها– مُحاسبة الفاسدين والمُتطرفين والإرهابيين، لخطورتهم العظيمة على أمن وسلم واستقرار المجتمع. وإذا كانت مُحاسبة ومعاقبة المفسدين فكرياً مسألة غاية في الأهمية، فإن متابعتهم ومعرفتهم وإبعادهم عن أماكن وقاعات ومواقع التواصل مع النشء من أبناء المجتمع، بهدف التأثير السلبي عليهم بزرع الأفكار الهدامة والتوجهات المتطرفة، مسألة غاية في الأهمية ومسؤولية عظيمة تقع على جميع مؤسسات وأبناء المجتمع.