إن أول خطوة من خطوات البِناء والتقدم والتنمية والازدهار والاستقرار تبدأً بمُحاسبة ومُعاقبة كل من يتجاوز الأنظمة والقوانين، وكل من يسعى لخدمة مصلحته الخاصة على حساب المصلحة العامة، وكل من حنث بالقسم وخان الأمانة التي كلفته بها الدولة أساس تقدم وتطور وتنمية المجتمعات، وصعودها حضارياً، التزامها بالأنظمة التي أصدرتها وأعلنتها، وعِماد نهضة وازدهار ورفعة الدول في سلالم المجد والتميز العالمي عملها بالقوانين التي اعتمدتها وأقرتها أجهزتها التشريعية والتنظيمية. نعم، فالأنظمة والقوانين، في أي مجتمع، توضع وتعتمد وتصدر لتضمن تحقيق المصلحة العامة للمواطن والمجتمع والدولة، وتكفل لجميع أبناء المجتمع، والمقيمين فيه، حصولهم على حقوقهم النظامية بالطرق المشروعة، وتعمل على معاقبة ومحاسبة المتجاوزين للنظام والقانون بكل حزم بما يضمن تحقيق المصلحة العليا للوطن والمواطن. نعم، إن الالتزام بالأنظمة والعمل بالقوانين يثمر إيجابيات عظيمة للمواطن والمجتمع والدولة، ويأتي بالإنجازات الكبيرة في جميع المجالات التنموية والخدمية والاجتماعية والأمنية والرياضية وغيرها من مجالات لا حصر لها، فإذا كانت ثمرات وإنجازات الالتزام بالأنظمة والقوانين تتمثل بتنمية وتطور وتقدم ورِفعة ورقي وازدهار عظيم للمواطن والمجتمع والدولة، فإن الانحطاط والتأخر والتراجع والتخلف والهمجية نتيجة حتمية من نتائج عدم الالتزام بالأنظمة والقوانين المُعتمدة والمُعلنة. نعم، إنها معادلة بسيطة يمكن ملاحظتها ودراستها وتطبيقها على أي مجتمع من المجتمعات -المتقدمة أو المتأخرة، والمتطورة أو المتخلفة- لمعرفة إن كان الالتزام بالأنظمة والقوانين من الأسباب والعوامل الرئيسة المؤدية للتقدم والتطور والتنمية، وكذلك لمعرفة إن كان عدم الالتزام بالأنظمة والقوانين من الأسباب والعوامل الرئيسة المؤدية للانحطاط والتخلف والتراجع. وإذا كانت الأمثلة الدولية عديدة لمعرفة مدى تأثير الالتزام، أو عدم الالتزام، بالأنظمة والقوانين، على مكانة الدول ومستوياتها ودرجاتها في التصنيفات العالمية، وإن كانت متقدمة ومتطورة أو متأخرة ومتخلفة، فإنه يكفينا الاستشهاد بالمملكة العربية السعودية لإثبات أو نفي تلك المعادلة المُباشرة القائلة بأن الالتزام بالأنظمة والقوانين يثمر تقدماً وتطوراً ورُقياً على المستويات الدولية والعالمية، وبأن عدم الالتزام بالأنظمة والقوانين يأتي بالانحطاط والتخلف والتراجع في جميع التصنيفات والمستويات الدولية والعالمية. نعم، إن استشهادنا بالمملكة العربية السعودية لإثبات، أو نفي، مدى تأثير الالتزام بالأنظمة والقوانين على مستوى التقدم والتطور والتنمية الذي وصل له المجتمع والدولة في التصنيفات الدولية، ينطلق من أسس أصيلة ومعايير ثابته يمكن ملاحظتها ودراستها واختبارها على أرض الواقع من جميع الاتجاهات وفي كل المجالات، وهذه الأسس الأصيلة والمعايير الدولية، للاستشهاد بالمملكة العربية السعودية لإثبات، أو نفي، مدى تأثير الالتزام بالأنظمة والقوانين، على مكانة الدولة في المجتمع الدولي، تنطلق من تساؤلات عديدة تتمثل بالآتي: ما مكانة الدولة في المجتمع الدولي؟ وما مستوى الدولة في المجالات التنموية والخدمية والصحية والأمنية والاجتماعية وغيرها من مجالات حتى تحقق للمجتمع الرفاه والرخاء والازدهار؟ وهل هناك أنظمة تحاسب وتعاقب المتجاوزين للقوانين؟ وهل هناك أنظمة تضمن تحقيق المصلحة العامة للفرد والمجتمع والدولة؟ نعم، إننا أمام تساؤلات دقيقة، إلا أن الإجابة عنها ليست مُعقدة لأننا نتحدث عن حالة محددة -المملكة العربية السعودية- حيث يمكن ملاحظتها ودراستها واختبارها بكل يسر وسهولة نظراً لوضوحها في كل المجالات، وانفتاحها على جميع الاتجاهات، واعلانها المُباشر لجميع الأنظمة والقوانين واللوائح التي أصدرتها واعتمدتها وتعمل عليها. فإذا أردنا أن نتعرف على مكانة المملكة العربية السعودية في المجتمع الدولي، فإنه يكفينا أن نستشهد بعضويتها في مجموعة العشرين لأكبر اقتصاديات العالم (G20) لتثبت بذلك تحقيقها للتنمية الشاملة في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والخدمية والأمنية وغيرها من مجالات ترتقي بالمواطن وتتقدم بالمجتمع للمستويات العليا في التصنيفات العالمية. وإذا أضفنا إلا هذه المكانة الدولية في مجموعة العشرين، مكانتها الدولية كمؤسس لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك – OPEC)، بالإضافة لتأثيرها المُباشر على الاستقرار السياسي في المجتمع الدولي من خلال عملها الدؤوب على ضمان استقرار امدادات الطاقة للأسواق العالمية مع المحافظة على أسعار مناسبة للمنتجين والمستوردين، فإننا ندرك المكانة الدولية العظيمة التي وصلت لها المملكة العربية السعودية وتأثيرها الإيجابي والكبير في حركة السياسة الدولية، وإذا أردنا أن نتعرف على مستوى الدولة في المجالات التنموية والخدمية وغيرها من مجالات ساهمت بتحقيق الرفاه والرخاء والازدهار، فإنه يكفينا أن نستشهد بما بذلته المملكة العربية السعودية من جهود عظيمة خلال إدارتها لجائحة كورونا الصحية العالمية (كوفيد – 19) من خلال رئاستها لدول المجموعة، ومساهماتها المالية الكبيرة لمنظمة الصحة العالمية للعمل بجدية كبيرة لإيجاد لقاح صحي يكافح انتشار الوباء، وكذلك من خلال تقديمها للخدمات الصحية المجانية لجميع من يقيم على أراضيها، وخاصة خلال جائحة كورونا الصحية العالمية (كوفيد – 19)، بالإضافة لتكفلها الكامل بخدمة أبنائها المواطنين المتواجدين في جميع دول واقاليم ومناطق العالم، وتقديم جميع الخدمات لهم على مدار العالم. فإذا أضفنا إلى هذا الرفاه الذي وصلت له الخدمات التي تقدمها المملكة العربية السعودية للمواطن والمقيم على أراضيها، وما تحقق من تنمية شاملة في جميع المجالات، فإننا نجد المملكة العربية السعودية في أرقى المستويات الدولية وفي أعلى التصنيفات العالمية. نعم، إن الإجابة عن التساؤلين الأولين أثبتا أن المملكة العربية السعودية حققت مكانة دولية متقدمة، ووصلت لمستويات عظيمة من الرفاه والرخاء والازدهار، وهذا ما يثبته ويشهد به الواقع الذي نعيشه. فإذا كان الواقع يشهد بذلك، فإن لذلك أسباب رئيسة يجيب عن جزء رئيس منها التساؤلان الثالث والرابع المطروحان سابقاً، وهما: هل هناك أنظمة تحاسب وتعاقب المتجاوزين للقوانين؟ وهل هناك أنظمة تضمن تحقيق المصلحة العامة للفرد والمجتمع والدولة؟ إن الإجابة عن هذين التساؤلين ستكون كذلك سهلة يسيرة انطلاقاً من العمل المؤسسي المتميز الذي تأسست عليه أجهزة وهيئات المملكة العربية السعودية. نعم، فحرص القيادة الرشيدة في المملكة العربية السعودية على تحقيق التنمية الشاملة للمجتمع، والارتقاء بمكانة الدولة للمستويات الدولية المتقدمة، جعلها تسُن وتصدر وتعتمد الأنظمة والقوانين واللوائح الضَّامنة لعمل مؤسسات الدولة وفق آلية عمل تكاملية تمكنها من تحقيق الأهداف السَّامية التي اعتمدتها بخطتها التنموية والاستراتيجية والمتمثلة ب "رؤية السعودية 2030"، وكذلك الضَّامنة لتحقيق المنفعة العامة والمصلحة العليا للمواطن والمجتمع والدولة. وانطلاقاً من هذه الأسس الوطنية السَّامية، أقر مجلس الوزراء في صفر 1428ه (فبراير 2007م)، بحسب المنصة الوطنية الموحدة، "حيثيات وبنود الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، والتي جاءت أهدافها لتعكس رغبة الدولة في إضفاء عنصر الشمولية في الطرح والمعالجة، من خلال التأكيد على حماية النزاهة ومكافحة الفساد بشتى صوره ومظاهره، وتحصين المجتمع السعودي ضد الفساد، بالقيم الدينية، والأخلاقية، والتربوية، وتوجيه المواطن والمقيم نحو التَّحلي بالسلوك السليم واحترام النصوص الشرعية والنظامية، وتوفير المناخ الملائم لنجاح خطط التنمية، ولا سيما الاقتصادية والاجتماعية منها، والإسهام في الجهود المبذولة لتعزيز وتطوير وتوثيق التعاون الإقليمي، والعربي، والدولي، في مجال حماية النزاهة ومكافحة الفساد، وتحقيق العدالة بين أفراد المجتمع. وكان من أبرز آليات هذه الإستراتيجية إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد أُطلق عليها اسم "الهيئة الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد". وتأكيدً على مواصلة الإنجازات الوطنية والسير نحو تحقيق التنمية الشاملة بخطوات ثابتة، وافق مجلس الوزراء في جمادى الأول 1432ه (مايو 2011م) على "تنظيم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" حيث نصت في المادة الثالثة على الآتي: "تهدف الهيئة إلى حماية النزاهة، وتعزيز مبدأ الشفافية، ومكافحة الفساد المالي والإداري بشتى صوره ومظاهره وأساليبه، ...". وتعزيزاً لأهمية العمل بالأنظمة والقوانين وعدم تجاوزها، أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- في ربيع الأول 1441ه (ديسمبر 2019م)، بحسب واس، أمر ملكي تضمن الآتي: "الموافقة على الترتيبات التنظيمية والهيكلية المتصلة بمكافحة الفساد المالي والإداري، بالصيغة المرافقة." ومن تلك الترتيبات ما أوضحته الفقرة (1) ونصها: "ضم "هيئة الرقابة والتحقيق" والمباحث الإدارية" إلى "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" وتعديل اسمها ليكون "هيئة الرقابة ومكافحة الفساد". والفقرة (6) ونصها: "أن تتولى "هيئة الرقابة ومكافحة الفساد" اتخاذ ما يلزم حيال جرائم الفساد المالي والإداري ومرتكبيها وأطرافها، سواء كانوا من الأشخاص ذوي الصفة الطبيعية من موظفي الدولة المدنيين أو العسكريين أو من في حكمهم من المتعاقد معهم أو غيرهم، أو من الأشخاص ذوي الصفة المعنوية ذات الصلة بتلك الجرائم". وفي الوقت الذي تصدر فيه هذه الأنظمة والقوانين الهادفة لتحقيق الأهداف السَّامية للدولة، تعمل المؤسسات والأجهزة الحكومية المعنية والمُختصة على التطبيق الدقيق والصَّارم لكل ما نصت عليه هذه الأنظمة والقوانين، وهذا الذي يشهد عليه الواقع الذي تنقله للعامة وسائل الاعلام. وفي الختام من الأهمية القول إن أول خطوة من خطوات البِناء والتقدم والتنمية والازدهار والاستقرار تبدأً بمُحاسبة ومُعاقبة كل من يتجاوز الأنظمة والقوانين، وكل من يسعى لخدمة مصلحته الخاصة على حساب المصلحة العامة، وكل من حنث بالقسم وخان الأمانة التي كلفته بها الدولة. نعم، إنها الحقيقة التي أثبتها التاريخ، ويشهد بها الواقع، ويدلل عليها مستقبل المجتمعات والدول: فإما تقدماً وتنميةً وازدهاراً واستقراراً ناتجاً عن الالتزام بالأنظمة والقوانين، وإما انحطاطاً وتخلفاً وتراجعاً وزعزعة مجتمع سببه تجاهل الأنظمة وتجاوز القوانين.