حققت شركات الأسمنت السعودية نموا في أرباحها بنسبة 16 % في النصف الأول من عام 2024 على الرغم من تراجع المبيعات وزيادة تكلفة الوقود بعدما عدلت أرامكو أسعار منتجات الوقود المستخدمة في الإنتاج مع بداية العام، وبحسب مصادر في شركات الأسمنت فإن نسبة زيادة أرامكو لأسعار الوقود على شركات الأسمنت السعودية تراوحت ما بين 58 % إلى 136 % بحسب نوع الوقود، شركات الأسمنت تعتمد بشكل كبير على زيت الوقود الثقيل، والذي يمثل جزءا كبيرا من تكلفة الإنتاج قد تصل إلى 20 %، يضاف إليها تكلفة المواد الخام والاستهلاك والصيانة والمصاريف الإدارية، وبحسب افصاحات من شركات الأسمنت فقد توقعت أن ترتفع تكلفة الطن ما بين 8 % إلى 12 % وبالتالي سوف ترتفع تكلفة إنتاج مادة الأسمنت إلى متوسط 135 ريالا سعوديا للطن، بعض الشركات بدأت في التحول إلى استخدام لقيم الميثان كوقود بديل وهو خيار أمثل لشركات الأسمنت على المدى البعيد من حيث تحسين كفاءة التكاليف، لكن هذا التحول يتطلب نفقات رأسمالية كبيرة، وأظن أن شركة أسمنت اليمامة أصبحت أكثر اعتمادا على مادة الميثان بعد انتقالها إلى مصنعها الجديد والذي يتميز بقدرة إنتاجية تتجاوز 20 ألف طن من مادة الكلنكر يوميا بتقنيات متقدمة مما يجعله من أحدث وأكثر المصانع كفاءة واستدامة على مستوى العالم، بعض شركات الأسمنت أعلنت عن انضمامها الى برنامج تنافسية القطاع الصناعي من خلال توقيع اتفاقية تتضمن تقديم عدة حلول تساعد في رفع كفاءة ونوع مصادر الطاقة المستخدمة في المنشآت الصناعية، حيث سيساهم البرنامج في خفض تكاليف الإنتاج لدى هذه الشركات، وعليه فإن الشركات المنضمة الى هذا البرنامج تستطع تخفيض الأثر المالي على ارتفاع تكلفة الإنتاج من 13 % تقريبا قبل توقيع الاتفاقية وبعد توقيع الاتفاقية سيكون الأثر المالي على ارتفاع تكلفة الإنتاج حوالي 7 % حسب تقديرات بعض الشركات، ليست تكاليف الإنتاج هي التحدي الوحيد الذي يواجه شركات الأسمنت بل انخفاض الطلب، أي انخفاض في الطلب سينتج عنه زيادة في التكلفة لأن انتاج مادة الكلنكر تتطلب تشغيل الأفران بشكل مستمر ولذلك لا تتوقف المصانع عن إنتاج مادة الكلنكر بكميات أعلى من الطلب وتضطر الى تخزينها في انتظار زيادة الطلب على مادة الأسمنت وارتفاع المخزون له تكاليف اضافية، في النصف الأول من هذا العام أنتجت شركات الأسمنت 26.5 ألف طن من مادة الكلنكر ولكنها لم تتمكن من بيع أكثر من 20.8 ألف طن من مادة الأسمنت، ورغم الزيادة الكبيرة في الانفاق الرأسمالي على المشاريع من ميزانية الدولة وصندوق الاستثمارات العامة إلا أن الطلب على مادة الأسمنت تراجع خلال هذا العام ويعود ذلك بشكل رئيس إلى انخفاض القروض السكنية للأفراد بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وتغير مصفوفة الدعم السكني المقدمة من الصندوق العقاري وتنتظر الشركات أي خفض لأسعار الفائدة خلال الأشهر القادمة لتنشيط الطلب على القروض السكنية، وقد يكون هنالك تحرك من الجهات المختصة لتوجيه المستثمرين إلى تطوير مشاريع سكنية معدة للتأجير للتغلب على ارتفاع قيمة الإيجارات السكنية التي أصبحت تمثل هاجسا وتحديا كبيرا لصناع السياسة المالية والنقدية من أجل السيطرة على التضخم. إذا كيف حققت شركات الأسمنت أرباح قاربت نسبتها من 16 % على الرغم من التحديات التي واجهها القطاع خلال هذا العام؟ أعتقد أن الشركات أدركت أنها أمام تحديات كبيرة تستوجب التفكير في حلول تخدم القطاع، في السنوات الماضية عندما ينخفض الطلب على الأسمنت تلجأ الشركات إلى خفض الأسعار وبالتالي تصل المنافسة بين الشركات الى كسر العظم للفوز بالكعكة وتحقيق أعلى مبيعات وهذا الأسلوب في المنافسة أدى إلى خسائر مادية للقطاع، ولذلك نعتقد أن المنافسة بين الشركات أصبحت أكثر حصافة بحيث تقوم كل شركة بوضع تسعيرة تراعي فيها زيادة التكاليف وانخفاض الطلب مع الأخذ بعين الاعتبار عدم مخالفة قوانين هيئة المنافسة والتي قد تعرض الشركات للعقوبات، ولذلك نجحت الشركات في تحقيق أرباح جيدة وإن استمرت على هذا النهج في التسعير فإن ذلك من شأنه تحقيق المصلحة العامة لقطاع الأسمنت وعلى المستهلك قبول التغير في أسعار الأسمنت الناتج عن زيادة تكلفة الإنتاج. من الحلول التي قد تلجأ اليها الشركات خلال السنوات القادمة هي الاندماجات كان لدينا 17 شركة أسمنت منها 15 شركة مدرجة في السوق المالية وشركتان غير مدرجتان وهذا العدد كبير جدا على السوق ولذلك من الأفضل للشركات هو الاندماج لتقليل تكلفة الإنتاج، وقد بدأت بعض الشركات في دراسة عملية الاندماج بل إن أول صفقة اندماج تمت في شهر يونيو الماضي بين شركتي أسمنت حائل وأسمنت القصيم وهنالك صفقات اندماج قادمة بين أسمنت المدينة وأسمنت أم القرى وكذلك أسمنت ينبع مع أسمنت الجنوبية وإن نجحت هذه الاندماجات في تحقيق أهدافها سوف تشجع الشركات الأخرى على الاندماج.