حققت شركات الإسمنت المدرجة في سوق الأسهم السعودي الرئيسية نمواً في الأرباح خلال الربع الأول 2023 بحوالي 70 % على أساس سنوي على الرغم من تراجع مبيعات الإسمنت المحلية بنسبة 11 % وهذا يعني أن هنالك زيادة في أسعار البيع، وكسر لقاعدة العرض والطلب، إفصاحات الشركات ذكرت أن سبب ارتفاع صافي الأرباح جاء نتيجة ارتفاع قيمة المبيعات ولم تذكر تراجع المبيعات الذي يظهره الرسم البياني عن تراجع نسبة المبيعات باستثناء 3 شركات نمت مبيعاتها، هذا التباين بين نمو المبيعات والأرباح ليس له تفسير إلا أن هنالك اتفاقاً غير معلن لوضع حد أدنى لأسعار البيع، يحدث ذلك على الرغم من صدور قرار الهيئة العامة للمنافسة في شهر أبريل الماضي بتغريم 14 شركة إسمنت في السعودية لاتفاقها على رفع الأسعار قبل عدة سنوات، ولذلك لا أعتقد أن شركات الإسمنت قادرة على تكرار المخالفة وتحديد سقف للأسعار إلا في حالة واحدة إن كان تم بالتنسيق ما بين وزارة التجارة والهيئة العامة للمنافسة من أجل المحافظة على قطاع الإسمنت وقدرته على الاستمرارية وقد سبق لجريدة "الرياض" عبر تقاريرها الاقتصادية المطالبة بتدخل الدولة لوقف حرب الأسعار بين الشركات التي اضطر بعض منها للبيع بأسعار تقل عن تكلفة الإنتاج من أجل تصريف مخزونات مادة الكلنكر التي وصلت في عام 2020 إلى أكثر من 41 مليون طن، وإن حصل مثل هذا التنسيق لوضع سقف للأسعار يحقق عدالة التسعير للشركات والمستهلكين فهذا قرار جيد، أما ترك الأسعار للمنافسة دون ضوابط تحد من البيع بأقل من التكلفة فإن ذلك قد يتسبب في خسائر للشركات. كميات الإسمنت التي تم تصديرها خلال الربع الأول ارتفعت إلى 533 ألف طن بنسبة نمو بلغت 107 % وهذه الكمية المصدرة من مادة الإسمنت تقترب من مستويات عام 2011 أما الشركات التي استفادت من التصدير، شركة إسمنت السعودية التي صدرت حوالي 373 ألف طن ثم شركة إسمنت نجران التي صدرت حوالي 90 مليون طن لليمن بعد اتفاق الهدنة واستقرار الأوضاع وعودة نشاط الإنشاءات وقد تستفيد شركة نجران أكثر إن تم التوصل إلى اتفاق نهائي لوقف الحرب تلتها شركة إسمنت الشرقية التي صدرت 58 ألف طن، أما كميات مادة الكلنكر التي تم تصديرها خلال الربع الأول فقد بلغت 2.2 مليون طن، وتعتبر مادة الكلنكر المنتجة في المملكة أقل كلفة من الدول المجاورة بسبب أن أسعار الوقود مدعومة لشركات الإسمنت السعودية وإنتاج مادة الكلنكر تعتمد على صهر المواد الأولية تحت درجة حرارة تصل إلى 1500 درجة مئوية ما يجعل 60 % من تكلفة الإنتاج يأتي من بند الوقود ولذلك نجحت شركات الإسمنت في تصدير كميات جيدة من الكلنكر خلال السنوات الماضية بعد السماح لهم بالتصدير إلا أن الشركات التي تقع على السواحل هي المستفيدة من تصدير الكلنكر نظرًا لانخفاض تكلفة النقل ما يجعلها قادرة على المنافسة خارجياً. انخفاض كميات الإسمنت المباعة خلال الربع الأول قد يكون لها تبعات سلبية على شركات الإسمنت، التراجع استمر خلال شهر أبريل حيث انخفضت المبيعات بحوالي 14 % وقد يكون أحد أسباب هذا التراجع في المبيعات هو تراجع الإنشاءات السكنية متأثرة بتراجع القروض السكنية الممنوحة للأفراد من البنوك التجارية وشركات التمويل والتغير في مصفوفة الدعم السكني وأيضاً ارتفاع تكلفة التمويل، القروض السكنية تراجعت بنسبة تزيد على 50 % خلال الربع الأول من العام الحالي هذا التراجع الحاد جعل المطورين العقاريين يعيدون حساباتهم في ظل ارتفاع تكلفة التمويل مع ضعف الطلب ما قد يتسبب في تراجع أسعار البيع للوحدات السكنية، ولذلك تريث البعض منهم في تنفيذ المشاريع حتى تتضح الرؤية وظهر أثر ذلك على أسعار الإيجارات السكنية التي ارتفعت في شهر أبريل بنسبة 8.1 % على أساس سنوي وبالذات الشقق السكنية التي ارتفعت إيجاراتها بحوالي 22 %، كل هذه العوامل تؤثر سلباً على نمو مبيعات الإسمنت وإن كان ارتفاع قيمة المبيعات في الربع الأول ساهم في زيادة صافي الأرباح إلا أن ضعف الطلب قد يعيد الشركات إلى السباق نحو زيادة المبيعات عن طريق المنافسة بخفض أسعار البيع.